[فَصْلُ دَفَعَ الزَّكَاة إلَى الْكَبِير وَالصَّغِير]
(١٧٦٥) فَصْلٌ: وَيَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ، سَوَاءٌ أَكَلَ الطَّعَامَ أَوْ لَمْ يَأْكُلْ. قَالَ أَحْمَدُ يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ زَكَاتَهُ فِي أَجْرِ رَضَاعِ لَقِيطِ غَيْرِهِ، هُوَ فَقِيرٌ مِنْ الْفُقَرَاءِ. وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَّا إلَى مَنْ أَكَلَ الطَّعَامَ. قَالَ الْمَرُّوذِيُّ: كَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ لَا يَرَى أَنْ يُعْطَى الصَّغِيرُ مِنْ الزَّكَاةِ، إلَّا أَنْ يَطْعَمَ الطَّعَامَ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ فَقِيرٌ، فَجَازَ الدَّفْعُ إلَيْهِ، كَاَلَّذِي طَعِمَ، وَلِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الزَّكَاةِ لِأَجْرِ رَضَاعِهِ وَكِسْوَتِهِ وَسَائِرِ حَوَائِجِهِ، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ النُّصُوصِ، وَيَدْفَعُ الزَّكَاةَ إلَى وَلِيِّهِ؛ لِأَنَّهُ يَقْبِضُ حُقُوقَهُ، وَهَذَا مِنْ حُقُوقِهِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ دَفَعَهَا إلَى مَنْ يُعْنَى بِأَمْرِهِ، وَيَقُومُ بِهِ مِنْ أُمِّهِ أَوْ غَيْرِهَا. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَكَذَلِكَ الْمَجْنُونُ، قَالَ هَارُونُ الْحَمَّالُ: قُلْت لِأَحْمَدَ فَكَيْفَ يُصْنَعُ بِالصِّغَارِ؟ قَالَ: يُعْطَى أَوْلِيَاؤُهُمْ. فَقُلْت: لَيْسَ لَهُمْ وَلِيٌّ، قَالَ: فَيُعْطَى مَنْ يُعْنَى بِأَمْرِهِمْ مِنْ الْكِبَارِ فَرَخَّصَ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ مُهَنَّا: سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ الْمَجْنُونُ، وَالذَّاهِبُ عَقْلُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْت: مَنْ يَقْبِضُهَا لَهُ؟ قَالَ: وَلِيُّهُ. قُلْت: لَيْسَ لَهُ وَلِيٌّ؟ قَالَ الَّذِي يَقُومُ عَلَيْهِ. وَإِنْ دَفَعَهَا إلَى الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ، فَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ.
قَالَ الْمَرُّوذِيُّ قُلْت لِأَحْمَدَ يُعْطَى غُلَامٌ يَتِيمٌ مِنْ الزَّكَاةِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْت: فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يُضَيِّعَهُ. قَالَ: يَدْفَعُهُ إلَى مَنْ يَقُومُ بِأَمْرِهِ. وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، قَالَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِينَا سَاعِيًا، فَأَخَذَ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِنَا فَرَدَّهَا فِي فُقَرَائِنَا» وَكُنْت غُلَامًا يَتِيمًا لَا مَالَ لِي، فَأَعْطَانِي قَلُوصًا.
[فَصْلُ دَفَعَ الزَّكَاة إلَى مِنْ يَظُنّهُ فَقِيرًا]
(١٧٦٦) فَصْلٌ: وَإِذَا دَفَعَ الزَّكَاةَ إلَى مَنْ يَظُنُّهُ فَقِيرًا، لَمْ يَحْتَجْ إلَى إعْلَامِهِ أَنَّهَا زَكَاةٌ. قَالَ الْحَسَنُ أَتُرِيدُ أَنْ تُقْرِعَهُ، لَا تُخْبِرْهُ؟ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ: قُلْت لِأَحْمَدَ: يَدْفَعُ الرَّجُلُ الزَّكَاةَ إلَى الرَّجُلِ، فَيَقُولُ: هَذَا مِنْ الزَّكَاةِ. أَوْ يَسْكُتُ؟ قَالَ: وَلِمَ يُبَكِّتْهُ بِهَذَا الْقَوْلِ؟ يُعْطِيه وَيَسْكُتُ، وَمَا حَاجَتُهُ إلَى أَنْ يُقْرِعَهُ؟ .
[مَسْأَلَةُ لَا يُعْطَى مِنْ الصَّدَقَة الْمَفْرُوضَة لِلْوَالِدَيْنِ]
(١٧٦٧) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَلَا يُعْطَى مِنْ الصَّدَقَةِ الْمَفْرُوضَةِ لِلْوَالِدَيْنِ، وَإِنْ عَلَوْا، وَلَا لِلْوَلَدِ، وَإِنْ سَفَلَ) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى الْوَالِدَيْنِ، فِي الْحَالِ الَّتِي يُجْبَرُ الدَّافِعُ إلَيْهِمْ عَلَى النَّفَقَةِ عَلَيْهِمْ، وَلِأَنَّ دَفْعَ زَكَاتِهِ إلَيْهِمْ تُغْنِيهِمْ عَنْ نَفَقَتِهِ، وَتُسْقِطُهَا عَنْهُ، وَيَعُودُ نَفْعُهَا إلَيْهِ، فَكَأَنَّهُ دَفَعَهَا إلَى نَفْسِهِ، فَلَمْ تَجُزْ، كَمَا لَوْ قَضَى بِهَا دَيْنَهُ، وَقَوْلُ الْخِرَقِيِّ " لِلْوَالِدَيْنِ " يَعْنِي الْأَبَ وَالْأُمَّ.
وَقَوْلُهُ: " وَإِنْ عَلَوْا " يَعْنِي آبَاءَهُمَا وَأُمَّهَاتِهِمَا، وَإِنْ ارْتَفَعَتْ دَرَجَتُهُمْ مِنْ الدَّافِعِ، كَأَبَوَيْ الْأَبِ، وَأَبَوَيْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute