الِالْتِقَاطِ مُنْتَفٍ فِي حَقِّهِ بِغَيْرِ شَكٍّ، وَالْأَمْرُ مَشْكُوكٌ فِيهِ، فَيَكُونُ الْحَظُّ لِلطِّفْلِ فِي تَسْلِيمِهِ إلَيْهِ أَتَمَّ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَتَسَاوَيَا؛ لِأَنَّ احْتِمَالَ وُجُودِ الْمَانِعِ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْمَنْعِ، فَلَا يُؤَثِّرُ التَّرْجِيحُ.
[فَصْلٌ رَأَيَا اللَّقِيط جَمِيعًا فَسَبَقَ أَحَدُهُمَا فَأَخَذَهُ أَوْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ]
(٤٥٧٠) فَصْلٌ: وَإِنْ رَأَيَاهُ جَمِيعًا، فَسَبَقَ أَحَدُهُمَا فَأَخَذَهُ، أَوْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ سَبَقَ إلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إلَيْهِ مُسْلِمٌ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ» . وَإِنْ رَآهُ أَحَدُهُمَا قَبْلَ صَاحِبِهِ، فَسَبَقَ إلَى أَخْذِهِ الْآخَرُ، فَالسَّابِقُ إلَى أَخْذِهِ أَحَقُّ؛ لِأَنَّ الِالْتِقَاطَ هُوَ الْأَخْذُ لَا الرُّؤْيَةَ. وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: نَاوِلْنِيهِ. فَأَخَذَهُ الْآخَرُ، نَظَرْنَا إلَى نِيَّتِهِ، فَإِنْ نَوَى أَخْذَهُ لِنَفْسِهِ فَهُوَ أَحَقُّ، كَمَا لَوْ لَمْ يَأْمُرْهُ الْآخَرُ بِمُنَاوَلَتِهِ إيَّاهُ، وَإِنْ نَوَى مُنَاوَلَتَهُ فَهُوَ لِلْآمِرِ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ بِنِيَّةِ النِّيَابَةِ عَنْهُ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ تَوَكَّلَ لَهُ فِي تَحْصِيلِ مُبَاحٍ.
[فَصْلٌ اخْتَلَفَا فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَا الْتَقَطْته]
(٤٥٧١) فَصْلٌ: فَإِنْ اخْتَلَفَا، فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَنَا الْتَقَطْته. وَلَا بَيِّنَةَ لِأَحَدِهِمَا، وَكَانَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ أَنَّهُ الْتَقَطَهُ. ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو الْخَطَّابِ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ الْقَاضِي: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ، كَمَا فِي الطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ. وَلَنَا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ، لَادَّعَى قَوْمٌ دِمَاءَ قَوْمٍ وَأَمْوَالَهُمْ؛ وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. فَإِنْ كَانَ فِي أَيْدِيهِمَا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا، فَمَنْ قَرَعَ صَاحِبَهُ، حَلَفَ وَسُلِّمَ إلَيْهِ. وَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي: لَا تُشْرَعُ الْيَمِينُ هَا هُنَا، وَيُسَلَّمُ إلَيْهِ بِمُجَرَّدِ وُقُوعِ الْقُرْعَةِ لَهُ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَقَالَ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ: يُسَلِّمُهُ الْحَاكِمُ إلَى مَنْ يَرَى مِنْهُمَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُمَا. وَالْأَوْلَى أَنْ يَقْرَعَ بَيْنَهُمَا، كَمَا لَوْ كَانَ فِي أَيْدِيهِمَا؛ لِأَنَّهُمَا تَنَازَعَا حَقًّا فِي يَدِ غَيْرِهِمَا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ تَنَازَعَا وَدِيعَةً عِنْدَ غَيْرِهِمَا. فَإِنْ وَصَفَهُ أَحَدُهُمَا، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: فِي ظَهْرِهِ شَامَةٌ، أَوْ بِجَسَدِهِ عَلَامَةٌ. وَذَكَرَ شَيْئًا فِي جَسَدِهِ مَسْتُورًا، فَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يُقَدَّمُ بِالصِّفَةِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُقَدَّمُ بِالصِّفَةِ، كَمَا لَوْ وَصَفَ الْمُدَّعِي، فَإِنَّهُ لَا تُقَدَّمُ بِهِ دَعْوَاهُ. وَلَنَا أَنَّ هَذَا نَوْعٌ مِنْ اللُّقَطَةِ، فَقُدِّمَ بِوَصْفِهَا، كَلُقَطَةِ الْمَالِ، وَلِأَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى قُوَّةِ يَدِهِ، فَكَانَ مُقَدَّمًا بِهَا. وَقِيَاسُ اللَّقِيطِ عَلَى اللُّقَطَةِ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِهِ عَلَى غَيْرِهَا؛ لِأَنَّ اللَّقِيطَ لُقَطَةٌ أَيْضًا. وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ، قُدِّمَ بِهَا. وَإِنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ، قُدِّمَ أَسْبَقُهُمَا تَارِيخًا؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ إنَّمَا أَخَذَ مِمَّنْ قَدْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute