للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَمْلُوكٌ لِسَيِّدِهَا، وَلِأَنَّهُ قَدْ اعْتَوَرَهَا نُقْصَانٌ، نَقْصُ الْكُفْرِ وَالْمِلْكِ، فَإِذَا اجْتَمَعَا مَنَعَا، كَالْمَجُوسِيَّةِ لَمَّا اجْتَمَعَ فِيهَا نَقْصُ الْكُفْرِ، وَعَدَمُ الْكِتَابِ، لَمْ يُبَحْ نِكَاحُهَا.

وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ فِي تَحْرِيمِ نِكَاحِهَا؛ لِعُمُومِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الدَّلِيلِ، وَلِأَنَّ مَا حُرِّمَ عَلَى الْحُرِّ تَزْوِيجُهُ لِأَجْلِ دِينِهِ، حُرِّمَ عَلَى الْعَبْدِ، كَالْمَجُوسِيَّةِ.

[مَسْأَلَةٌ نِكَاحُ الْأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ]

(٥٤٠٠) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَلَا لِحُرٍّ مُسْلِمٍ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةً مُسْلِمَةً، إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ طَوْلًا بِحُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ، وَيَخَافَ الْعَنَتَ) الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي شَيْئَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ إذَا وُجِدَ فِيهِ الشَّرْطَانِ، عَدَمُ الطَّوْلِ، وَخَوْفُ الْعَنَتِ. وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، لَا نَعْلَمُ بَيْنَهُمْ اخْتِلَافًا فِيهِ. وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا} [النساء: ٢٥] .

الْآيَةُ. وَالصَّبْرُ عَنْهَا مَعَ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَفْضَلُ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [النساء: ٢٥] . وَالثَّانِي: إذَا عُدِمَ الشَّرْطَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا، لَمْ يَحِلَّ نِكَاحُهَا لِحُرٍّ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ جَابِرٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَالزُّهْرِيُّ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، وَمَكْحُولٌ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مِمَّا وَسَّعَ اللَّهُ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ، نِكَاحُ الْأَمَةِ، وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا.

وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى النِّكَاحِ لَا تَمْنَعُ النِّكَاحَ، كَمَا يَمْنَعُهُ وُجُودُ النِّكَاحِ، كَنِكَاحِ الْأُخْتِ وَالْخَامِسَةِ. وَقَالَ قَتَادَةُ، وَالثَّوْرِيُّ: إذَا خَافَ الْعَنَتَ حَلَّ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ، وَإِنْ وُجِدَ الطَّوْلُ؛ لِأَنَّ إبَاحَتَهَا لِضَرُورَةِ خَوْفِ الْعَنَتِ، وَقَدْ وُجِدَتْ، فَلَا يَنْدَفِعُ إلَّا بِنِكَاحِ الْأَمَةِ، فَأَشْبَهَ عَادِمَ الطَّوْلِ. وَلَنَا، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: ٢٥] إلَى قَوْلِهِ {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} [النساء: ٢٥] .

فَشَرَطَ فِي نِكَاحِهَا عَدَمَ اسْتِطَاعَةِ الطَّوْلِ، فَلَمْ يَجُزْ مَعَ الِاسْتِطَاعَةِ كَالصَّوْمِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ مَعَ عَدَمِ اسْتِطَاعَةِ الْإِعْتَاقِ، وَلِأَنَّ فِي تَزْوِيجِ الْأَمَةِ إرْقَاقَ وَلَدِهِ مَعَ الْغِنَى عَنْهُ، فَلَمْ يَجُزْ، كَمَا لَوْ كَانَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ. وَقِيَاسُهُمْ لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ فَإِنَّ نِكَاحَ الْخَامِسَةِ وَالْأُخْتِ، إنَّمَا حُرِّمَ لِأَجْلِ الْجَمْعِ، وَبِالْقُدْرَةِ عَلَى الْجَمْعِ لَا يَصِيرُ جَامِعًا، وَالْعِلَّةُ هَاهُنَا، هُوَ الْغِنَى عَنْ إرْقَاقِ وَلَدِهِ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالْقُدْرَةِ عَلَى نِكَاحِ الْحُرَّةِ. وَأَمَّا مَنْ يَجِدُ الطَّوْلَ وَيَخَافُ الْعَنَتَ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ لَا يَجِدُ إلَّا حُرَّةً صَغِيرَةً أَوْ غَائِبَةً أَوْ مَرِيضَةً لَا يُمْكِنُ وَطْؤُهَا، أَوْ وَجَدَ مَالًا وَلَمْ يَتَزَوَّجْ لِقُصُورِ نَسَبِهِ، فَلَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ حُرَّةٍ تُعِفُّهُ.

وَإِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>