فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ: رَضِيت بِكِتَابِ اللَّهِ عَلَيَّ وَلِي. فَقَالَ الرَّجُلُ: أَمَّا الْفُرْقَةُ فَلَا. فَقَالَ عَلِيٌّ كَذَبْت حَتَّى تَرْضَى بِمَا رَضِيَتْ بِهِ.
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَجْبَرَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَيُرْوَى أَنَّ عَقِيلًا تَزَوَّجَ فَاطِمَةَ بِنْتَ عُتْبَةَ، فَتَخَاصَمَا، فَجَمَعَتْ ثِيَابَهَا، وَمَضَتْ إلَى عُثْمَانَ فَبَعَثَ حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ، وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَأُفَرِّقَنَّ بَيْنَهُمَا. وَقَالَ مُعَاوِيَةُ: مَا كُنْت لِأُفَرِّقَ بَيْنَ شَيْخَيْنِ مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ. فَلَمَّا بَلَغَا الْبَابَ كَانَا قَدْ غَلَّقَا الْبَابَ وَاصْطَلَحَا. وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ تَثْبُت الْوِلَايَةُ عَلَى الرَّشِيدِ عِنْدَ امْتِنَاعِهِ مِنْ أَدَاءِ الْحَقِّ، كَمَا يَقْضِي الدَّيْنَ عَنْهُ مِنْ مَالِهِ إذَا امْتَنَعَ، وَيُطَلِّقُ الْحَاكِمُ عَلَى الْمُولِي إذَا امْتَنَعَ.
إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّ الْحَكَمَيْنِ لَا يَكُونَانِ إلَّا عَاقِلَيْنِ بَالِغَيْنِ عَدْلَيْنِ مُسْلِمَيْنِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ مِنْ شُرُوطِ الْعَدَالَةِ سَوَاءٌ قُلْنَا: هُمَا حَاكَمَانِ أَوْ وَكِيلَانِ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ إذَا كَانَ مُتَعَلِّقًا بِنَظَرِ الْحَاكِمِ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ إلَّا عَدْلًا، كَمَا لَوْ نُصِبَ وَكِيلًا لَصَبِيٍّ أَوْ مُفْلِسٍ، يَكُونَانِ ذَكَرَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مُفْتَقِرٌ إلَى الرَّأْيِ وَالنَّظَرِ. قَالَ الْقَاضِي: يُشْتَرَطُ كَوْنُهُمَا حُرَّيْنِ. وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ الْعَبْدَ عِنْدَهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ، فَتَكُونُ الْحُرِّيَّةُ مِنْ شُرُوطِ الْعَدَالَةِ. وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَا وَكِيلَيْنِ، لَمْ تُعْتَبَرْ الْحُرِّيَّةُ؛ لِأَنَّ تَوْكِيلَ الْعَبْدِ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَا حَكَمَيْنِ، اُعْتُبِرَتْ الْحُرِّيَّةُ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا.
وَيُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَا عَالِمَيْنِ بِالْجَمْعِ وَالتَّفْرِيقِ؛ لِأَنَّهُمَا يَتَصَرَّفَانِ فِي ذَلِكَ، فَيُعْتَبَرُ عِلْمُهُمَا بِهِ. وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِهِمَا؛ لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ، وَلِأَنَّهُمَا أَشْفَقُ وَأَعْلَمُ بِالْحَالِ، فَإِنْ كَانَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِمَا جَازَ؛ لِأَنَّ الْقَرَابَةَ لَيْسَتْ شَرْطًا فِي الْحُكْمِ وَلَا الْوَكَالَةِ، فَكَانَ الْأَمْرُ بِذَلِكَ إرْشَادًا وَاسْتِحْبَابًا، فَإِنْ قُلْنَا: هُمَا وَكِيلَانِ فَلَا يَفْعَلَانِ شَيْئًا حَتَّى يَأْذَنَ الرَّجُلُ لِوَكِيلِهِ فِيمَا يَرَاهُ مِنْ طَلَاقٍ أَوَصُلْحً، وَتَأْذَنَ الْمَرْأَةُ لِوَكِيلِهَا فِي الْخُلْعِ وَالصُّلْحِ عَلَى مَا يَرَاهُ، فَإِنْ امْتَنَعَا مِنْ التَّوْكِيلِ، لَمْ يُجْبَرَا. وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُمَا حَكَمَانِ. فَإِنَّهُمَا يُمْضِيَانِ مَا يَرَيَانِهِ مِنْ طَلَاقٍ وَخُلْعَ، فَيَنْفُذُ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا، رَضِيَاهُ أَوْ أَبَيَاهُ.
[فَصْلٌ غَابَ الزَّوْجَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا بَعْدَ بَعْثِ حَكَمَيْنِ]
(٥٧٤٤) فَصْلٌ: فَإِنْ غَابَ الزَّوْجَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا بَعْدَ بَعْثِ حَكَمَيْنِ، جَازَ لِلْحَكَمَيْنِ إمْضَاءُ رَأْيِهِمَا إنْ قُلْنَا: إنَّهُمَا وَكِيلَانِ. لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَا تَبْطُلُ بِالْغَيْبَةِ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُمَا حَاكِمَانِ. لَمْ يَجُزْ لَهُمَا إمْضَاءُ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ مَحْكُومٌ لَهُ وَعَلَيْهِ، وَالْقَضَاءُ لِلْغَائِبِ لَا يَجُوزُ، إلَّا أَنْ يَكُونَا قَدْ وَكَّلَاهُمَا، فَيَفْعَلَانِ ذَلِكَ بِحُكْمِ التَّوْكِيلِ، لَا بِالْحُكْمِ. وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا قَدْ وَكَّلَ، جَازَ لِوَكِيلِهِ فِعْلُ مَا وَكَّلَهُ فِيهِ مَعَ غَيْبَتِهِ.
وَإِنْ جُنَّ أَحَدُهُمَا، بَطَلَ حُكْمُ وَكِيلِهِ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ تَبْطُلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute