للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا بَقِيَ عَلَيْهِ، لَكِنَّهُ يَبْتَدِئُ الْيَوْمَ الَّذِي خَرَجَ فِيهِ مِنْ أَوَّلِهِ، لِيَكُونَ مُتَتَابِعًا، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا نَذَرَ عَلَى وَجْهِهِ، فَلَا يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ كَمَا لَوْ لَمْ يَخْرُجْ.

الثَّانِي، نَذَرَ أَيَّامًا مُعَيَّنَةً، كَشَهْرِ رَمَضَانَ، فَعَلَيْهِ قَضَاءُ مَا تَرَكَ، وَكَفَّارَةُ يَمِينٍ، بِمَنْزِلَةِ تَرْكِهِ الْمَنْذُورَ فِي وَقْتِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ كَفَّارَةٌ، عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ، إنْ شَاءَ اللَّهُ. الثَّالِثُ، نَذَرَ أَيَّامًا مُتَتَابِعَةً، فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْبِنَاءِ وَالْقَضَاءِ وَالتَّكْفِيرِ، وَبَيْنَ الِابْتِدَاءِ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَأْتِي بِالْمَنْذُورِ عَلَى وَجْهِهِ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ كَفَّارَةٌ، كَمَا لَوْ أَتَى بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْبِقَهُ الِاعْتِكَافُ الَّذِي قَطَعَهُ.

وَذَكَرَ الْخِرَقِيِّ مِثْلَ هَذَا فِي الصِّيَامِ، فَقَالَ: وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا، وَلَمْ يُسَمِّهِ؛ فَمَرِضَ فِي بَعْضِهِ، فَإِذَا عُوفِيَ بَنَى عَلَى مَا مَضَى مِنْ صِيَامِهِ، وَقَضَى مَا تَرَكَ، وَكَفَّرَ كَفَّارَةَ يَمِينٍ، وَإِنْ أَحَبَّ أَتَى بِشَهْرٍ مُتَتَابِعٍ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي مَنْ تَرَكَ الصِّيَامَ الْمَنْذُورَ لِعُذْرٍ: فَعَنْ أَحْمَدَ فِيهِ، رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي عُبَيْدٍ؛ لِأَنَّ الْمَنْذُورَ كَالْمَشْرُوعِ ابْتِدَاءً، وَلَوْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ لِعُذْرٍ، لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، فَكَذَلِكَ الْمَنْذُورُ. وَقَالَ الْقَاضِي: إنْ خَرَجَ لِوَاجِبِ، كَالْجِهَادِ تَعَيَّنَ، أَوْ أَدَاءِ شَهَادَةٍ وَاجِبَةٍ، فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ وَاجِبٌ لِحَقِّ اللَّه تَعَالَى، فَلَمْ يَجِبْ بِهِ شَيْءٌ، كَالْمَرْأَةِ تَخْرُجُ لِحَيْضِهَا أَوْ نِفَاسِهَا.

وَحَمَلَ كَلَامَ الْخِرَقِيِّ عَلَى أَنَّهُ يَبْنِي عَلَى مَا مَضَى، دُونَ إيجَابِ الْكَفَّارَةِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ، أَنَّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ كَالْيَمِينِ، وَمَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ شَيْءٍ، فَحِنْثَ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ، سَوَاءٌ كَانَ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْمُخَالَفَةُ وَاجِبَةً أَوْ لَمْ تَكُنْ، وَيُفَارِقُ صَوْمَ رَمَضَانَ، فَإِنَّ الْإِخْلَالَ بِهِ وَالْفِطْرَ فِيهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ لَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ، وَيُفَارِقُ الْحَيْضَ، فَإِنَّهُ يَتَكَرَّرُ، وَيُظَنُّ وُجُودُهُ فِي زَمَنِ النَّذْرِ، فَيَصِيرُ كَالْخُرُوجِ لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ، وَكَالْمُسْتَثْنَى بِلَفْظِهِ.

[مَسْأَلَة الْمُعْتَكِف لَا يَتَّجِر وَلَا يَتَكَسَّب بِالصَّنْعَةِ]

(٢١٧٢) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَالْمُعْتَكِفُ لَا يَتَّجِرُ، وَلَا يَتَكَسَّبُ بِالصَّنْعَةِ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْمُعْتَكِفَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ وَلَا يَشْتَرِيَ، إلَّا مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ. قَالَ حَنْبَلٌ: سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: الْمُعْتَكِفُ لَا يَبِيعُ وَلَا يَشْتَرِي إلَّا مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ، طَعَامٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، فَأَمَّا التِّجَارَةُ، وَالْأَخْذُ وَالْعَطَاءُ، فَلَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ، وَيَخِيطَ، وَيَتَحَدَّثَ، مَا لَمْ يَكُنْ مَأْثَمًا.

وَلَنَا، مَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي الْمَسْجِدِ» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَرَأَى عِمْرَانُ الْقَصِيرُ رَجُلًا يَبِيعُ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: يَا هَذَا، إنَّ هَذَا سُوقُ الْآخِرَةِ، فَإِنْ أَرَدْت الْبَيْعَ فَاخْرُجْ إلَى سُوقِ الدُّنْيَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>