للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّهَا دَمٌ، وَلَمْ يَرِدْ مِنْ الشَّرْعِ فِيهَا طَهَارَةٌ، وَقِيَاسُهَا عَلَى الْمَنِيِّ مُمْتَنِعٌ، لِكَوْنِهَا دَمًا خَارِجًا مِنْ الْفَرْجِ، فَأَشْبَهَتْ دَمَ الْحَيْضِ (٩٩٥) . فَصْلٌ: وَمَنْ أَمْنَى وَعَلَى فَرْجِهِ نَجَاسَةٌ نَجُسَ مَنِيُّهُ؛ لِإِصَابَتِهِ النَّجَاسَةَ، وَلَمْ يُعْفَ عَنْ يَسِيرِهِ لِذَلِكَ. وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي الْمَنِيِّ مِنْ الْجِمَاعِ أَنَّهُ نَجِسٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْلَمُ مِنْ الْمَذْيِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا فَسَادَ هَذَا. فَإِنَّ مَنِيَّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا كَانَ مِنْ جِمَاعٍ، وَهُوَ الَّذِي وَرَدَتْ الْأَخْبَارُ بِفَرْكِهِ، وَالطَّهَارَةُ لِغَيْرِهِ إنَّمَا أُخِذَتْ مِنْ طَهَارَتِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[مَسْأَلَة الْبَوْلَةُ عَلَى الْأَرْضِ يُطَهِّرُهَا دَلْوٌ مِنْ مَاءِ]

(٩٩٦) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَالْبَوْلَةُ عَلَى الْأَرْضِ يُطَهِّرُهَا دَلْوٌ مِنْ مَاءٍ) وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَرْضَ إذَا تَنَجَّسَتْ بِنَجَاسَةٍ مَائِعَةٍ، كَالْبَوْلِ وَالْخَمْرِ وَغَيْرِهِمَا. فَطَهُورُهَا أَنْ يَغْمُرَهَا بِالْمَاءِ، بِحَيْثُ يَذْهَبُ لَوْنُ النَّجَاسَةِ وَرِيحُهَا. فَمَا انْفَصَلَ عَنْهَا غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ بِهَا فَهُوَ طَاهِرٌ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تَطْهُرُ الْأَرْضُ حَتَّى يَنْفَصِلَ الْمَاءُ، فَيَكُونَ الْمُنْفَصِلُ نَجِسًا؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ انْتَقَلَتْ إلَيْهِ، فَكَانَ نَجِسًا، كَمَا لَوْ وَرَدَتْ عَلَيْهِ.

وَلَنَا. مَا رَوَى أَنَسٌ، قَالَ: «جَاءَ أَعْرَابِيٌّ، فَبَالَ فِي طَائِفَةِ الْمَسْجِدِ، فَزَجَرَهُ النَّاسُ، فَنَهَاهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا قَضَى بَوْلَهُ أَمَرَ بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ فَأُهْرِيقَ عَلَيْهِ» . وَفِي لَفْظٍ: فَدَعَاهُ، فَقَالَ: " إنَّ الْمَسَاجِدَ لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَالْقَذَرِ، وَإِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالصَّلَاةِ، وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ ". أَوْ كَمَا «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمَرَ رَجُلًا فَجَاءَ بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَشَنَّهُ عَلَيْهِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلَوْلَا أَنَّ الْمُنْفَصِلَ طَاهِرٌ لَكَانَ قَدْ أَمَرَ بِزِيَادَةِ تَنْجِيسِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي مَوْضِعٍ فَصَارَ فِي مَوَاضِعَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَطْهِيرَ الْمَسْجِدِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَعْقِلٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «خُذُوا مَا بَالَ عَلَيْهِ مِنْ التُّرَابِ، وَأَهْرِيقُوا عَلَى مَكَانِهِ مَاءً» . وَرَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ سَمْعَانَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: فَأَمَرَ بِهِ فَحُفِرَ. قُلْنَا: لَيْسَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي خَبَرٍ مُتَّصِلٍ، قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ. وَحَدِيثُ ابْنِ مَعْقِلٍ مُرْسَلٌ. قَالَ أَبُو دَاوُد: ابْنُ مَعْقِلٍ لَمْ يُدْرِكْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَحَدِيثُ سَمْعَانَ مُنْكَرٌ. قَالَهُ الْإِمَامُ. وَقَالَ: مَا أَعْرِفُ سَمْعَانَ. وَلِأَنَّ الْبَلَّةَ الْبَاقِيَةَ فِي الْمَحَلِّ بَعْدَ غَسْلِهِ طَاهِرَةٌ، وَهِيَ بَعْضُ الْمُنْفَصِلِ، فَكَذَلِكَ الْمُنْفَصِلُ.

وَقَوْلُهُمْ: إنَّ النَّجَاسَةَ انْتَقَلَتْ إلَيْهِ. قُلْنَا: بَعْدَ طَهَارَتِهَا، لِأَنَّ الْمَاءَ لَوْ لَمْ يُطَهِّرْهَا لَنَجُسَ بِهَا حَالَ مُلَاقَاتِهِ لَهَا، وَلَوْ نَجُسَ بِهَا لَمَا طَهُرَ الْمَحَلُّ، وَلَكَانَ الْبَاقِي مِنْهُ فِي الْمَحَلِّ نَجِسًا. قَالَ الْقَاضِي: إنَّمَا يُحْكَمُ بِطَهَارَةِ الْمُنْفَصِلِ إذَا نَشَفَتْ النَّجَاسَةُ، وَذَهَبَتْ أَجْزَاؤُهَا، وَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَثَرُهَا، فَإِنْ كَانَتْ أَجْزَاؤُهَا بَاقِيَةً، طَهُرَ الْمَحَلُّ، وَنَجُسَ الْمُنْفَصِلُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>