للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَنَا أَنَّ هَذَا نِصَابٌ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ بِحَوْلِ الْحَوْلِ فَجَازَ تَعْجِيلُهَا مِنْهُ كَمَا لَوْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ وَلِأَنَّ مَا عَجَّلَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْجُودِ فِي إجْزَائِهِ عَنْ مَالِهِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْجُودِ فِي تَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِهِ وَلِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تُعَجَّلْ كَانَ عَلَيْهِ شَاتَانِ.

فَكَذَلِكَ إذَا عُجِّلَتْ لِأَنَّ التَّعْجِيلَ إنَّمَا كَانَ رِفْقًا بِالْمَسَاكِينِ فَلَا يَصِيرُ سَبَبًا لِنَقْصِ حُقُوقِهِمْ، وَالتَّبَرُّعُ يُخْرِجُ مَا تَبَرَّعَ بِهِ عَنْ حُكْمِ الْمَوْجُودِ فِي مَالِهِ وَهَذَا فِي حُكْمِ الْمَوْجُودِ فِي الْإِجْزَاءِ عَنْ الزَّكَاةِ (١٧٥٢) فَصْلٌ وَكُلُّ مَوْضِعٍ قُلْنَا لَا يُجْزِئُهُ مَا عَجَّلَهُ عَنْ الزَّكَاةِ فَإِنْ كَانَ دَفَعَهَا إلَى الْفُقَرَاءِ مُطْلَقًا فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا وَإِنْ كَانَ دَفَعَهَا بِشَرْطِ أَنَّهَا زَكَاةٌ مُعَجَّلَةٌ فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى وَجْهَيْنِ يَأْتِي تَوْجِيهُهُمَا

[فَصْل تَعْجِيل الْعَشْر مِنْ الزَّرْع وَالثَّمَر]

(١٧٥٣) فَصْلٌ فَأَمَّا تَعْجِيلُ الْعُشْرِ مِنْ الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ فَظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ قَالَ كُلُّ مَا تَتَعَلَّقُ الزَّكَاةُ فِيهِ بِسَبَبَيْنِ: حَوْلٌ وَنِصَابٌ جَازَ تَعْجِيلُ زَكَاتِهِ.

فَمَفْهُومُ هَذَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَعْجِيلُ زَكَاةِ غَيْرِهِ لِأَنَّ الزَّكَاةَ مُعَلَّقَةٌ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ وَهُوَ ادِّرَاكُ الزَّرْعِ وَالثَّمَرَةِ فَإِذَا قَدَّمَهَا قَدَّمَهَا قَبْلَ وُجُودِ سَبَبِهَا لَكِنْ إنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الْإِدْرَاكِ وَقَبْلَ يُبْسِ الثَّمَرَةِ وَتَصْفِيَةِ الْحَبِّ جَازَ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ يَجُوزُ إخْرَاجُهَا بَعْدَ وُجُودِ الطَّلْعِ وَالْحِصْرِمِ، وَنَبَاتِ الزَّرْعِ.

وَلَا يَجُوزُ قَبْلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الزَّرْعِ وَاطِّلَاعَ النَّخِيلِ بِمَنْزِلَةِ النِّصَابِ، وَالْإِدْرَاكُ بِمَنْزِلَةِ حُلُولِ الْحَوْلِ؛ فَجَازَ تَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ، وَتَعَلُّقُ الزَّكَاةِ بِالْإِدْرَاكِ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ التَّعْجِيلِ بِدَلِيلِ أَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ يَتَعَلَّقُ وُجُوبُهَا بِهِلَالِ شَوَّالٍ، وَهُوَ زَمَنُ الْوُجُوبِ. فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا قَبْلَ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ يَكُونُ قَبْلَ وُجُودِ سَبَبِهَا.

[فَصْلُ عَجَّلَ زَكَاة مَاله ثُمَّ مَاتَ فَأَرَادَ الْوَارِث الِاحْتِسَاب بِهَا عَنْ زَكَاة حَوْله]

(١٧٥٤) فَصْلٌ: وَإِنْ عَجَّلَ زَكَاةَ مَالِهِ، ثُمَّ مَاتَ، فَأَرَادَ الْوَارِثُ الِاحْتِسَابَ بِهَا عَنْ زَكَاةِ حَوْلِهِ، لَمْ يَجُزْ. وَذَكَرَ الْقَاضِي وَجْهًا فِي جَوَازِهِ، بِنَاءً عَلَى مَا لَوْ عَجَّلَ زَكَاةَ عَامَيْنِ.

وَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ تَعْجِيلٌ لِلزَّكَاةِ قَبْلَ وُجُودِ سَبَبِهَا، أَشْبَهَ مَا لَوْ عَجَّلَ زَكَاةَ نِصَابٍ لِغَيْرِهِ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ سَبَبَ الزَّكَاةِ مِلْكُ النِّصَابِ، وَمِلْكُ الْوَارِثِ حَادِثٌ، وَلَا يَبْنِي الْوَارِثُ عَلَى حَوْلِ الْمَوْرُوثِ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْ الزَّكَاةَ، وَإِنَّمَا أَخْرَجَهَا غَيْرُهُ عَنْ نَفْسِهِ، وَإِخْرَاجُ الْغَيْرِ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ وِلَايَةٍ وَلَا نِيَابَةٍ لَا يُجْزِئُ وَلَوْ نَوَى، فَكَيْفَ إذَا لَمْ يَنْوِ.

وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا: لَوْ أَخْرَجَ زَكَاتَهُ وَقَالَ: إنْ كَانَ مُوَرِّثِي قَدْ مَاتَ فَهَذِهِ زَكَاةُ مَالِهِ، فَبَانَ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ، لَمْ يَقَعْ الْمَوْقِعُ. وَهَذَا أَبْلَغُ، وَلَا يُشْبِهُ هَذَا تَعْجِيلَ زَكَاةِ الْعَامَيْنِ؛ لِأَنَّهُ عَجَّلَ بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ، وَأَخْرَجَهَا بِنَفْسِهِ، بِخِلَافِ هَذَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>