فِيهِ مَقَالٌ. قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ. وَمِمَّنْ اسْتَحَبَّ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَيَكُونُ الزَّيْتُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ بِهِ الْقَاطِعَ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ يَحْسِمْ، فَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ الْقَطْعَ، لَا مُدَاوَاةَ الْمَحْدُودِ. وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَقْطُوعِ حَسْمُ نَفْسِهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يَأْثَمْ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ التَّدَاوِيَ فِي الْمَرَضِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ
[فَصْلٌ يُقْطَعُ السَّارِقُ بِأَسْهَلِ مَا يُمْكِنُ]
(٧٢٧٧) فَصْلٌ وَيُقْطَعُ السَّارِقُ بِأَسْهَلِ مَا يُمْكِنُ، فَيَجْلِسُ وَيُضْبَطُ لِئَلَّا يَتَحَرَّكَ فَيَجْنِيَ عَلَى نَفْسِهِ، وَتُشَدُّ يَدُهُ بِحَبْلٍ، وَتُجَرُّ حَتَّى يَبِينَ مَفْصِلُ الْكَفِّ مِنْ مَفْصِلِ الذِّرَاعِ، ثُمَّ يُوضَعُ بَيْنَهُمَا سِكِّينٌ حَادٌّ، وَيُدَقُّ فَوْقَهُمَا بِقُوَّةٍ لِيُقْطَعَ فِي مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ تُوضَعُ السِّكِّينُ عَلَى الْمَفْصِلِ وَتُمَدَّى مَدَّةً وَاحِدَةً. وَإِنْ عُلِمَ قَطْعٌ أَوْحَى مِنْ هَذَا، قُطِعَ بِهِ.
[فَصْلٌ تَعْلِيقُ الْيَدِ فِي عُنُقِ السَّارِقِ]
(٧٢٧٨) فَصْلٌ: وَيُسَنُّ تَعْلِيقُ الْيَدِ فِي عُنُقِهِ؛ لِمَا رَوَى فَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُتِيَ بِسَارِقٍ، فَقُطِعَتْ يَدُهُ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَعُلِّقَتْ فِي عُنُقِهِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ. وَفَعَلَ ذَلِكَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -؛ وَلِأَنَّ فِيهِ رَدْعًا وَزَجْرًا.
[فَصْلٌ قَطْعُ يَدِ السَّارِقِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ أَوْ الْبَرْدِ]
(٧٢٧٩) فَصْلٌ: وَلَا تُقْطَعُ فِي شِدَّةِ حَرٍّ وَلَا بَرْدٍ؛ لِأَنَّ الزَّمَانَ رُبَّمَا أَعَانَ عَلَى قَتْلِهِ، وَالْغَرَضُ الزَّجْرُ دُونَ الْقَتْلِ. وَلَا تُقْطَعُ حَامِلٌ حَالَ حَمْلِهَا، وَلَا بَعْدَ وَضْعِهَا حَتَّى يَنْقَضِيَ نِفَاسُهَا؛ لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى تَلَفِهَا وَتَلَفِ وَلَدِهَا. وَلَا يُقْطَعُ مَرِيضٌ فِي مَرَضِهِ؛ لِئَلَّا يَأْتِيَ عَلَى نَفْسِهِ. وَلَوْ سَرَقَ فَقُطِعَتْ يَدُهُ، ثُمَّ سَرَقَ قَبْلَ انْدِمَالِ يَدِهِ، لَمْ يُقْطَعْ ثَانِيًا حَتَّى يَنْدَمِلَ الْقَطْعُ الْأَوَّلُ. وَكَذَلِكَ لَوْ قُطِعَتْ رِجْلُهُ قِصَاصًا، لَمْ تُقْطَعْ الْيَدُ فِي السَّرِقَةِ حَتَّى تَبْرَأَ الرِّجْلُ. فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ قِصَاصٌ فِي الْيَدِ الْأُخْرَى لَقُطِعَتْ قَبْلَ الِانْدِمَالِ، وَالْمُحَارِبُ تُقْطَعُ يَدُهُ وَرِجْلُهُ دَفْعَةً وَاحِدَةً، وَقَدْ قُلْتُمْ فِي الْمَرِيضِ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ: لَا يُنْتَظَرُ بُرْؤُهُ. فَلِمَ خَالَفْتُمْ ذَلِكَ هَاهُنَا؟ قُلْنَا: الْقِصَاصُ حَقُّ آدَمِيٍّ، يُخَافُ فَوْتُهُ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الضِّيقِ لِحَاجَتِهِ إلَيْهِ؛ وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ قَدْ يَجِبُ فِي يَدٍ، وَيَجِبُ فِي يَدَيْنِ وَأَكْثَرَ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ؛ فَلِهَذَا جَازَ أَنْ نُوَالِيَ بَيْنَ قِصَاصَيْنِ، وَنُخَالِفَ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَعْصِيَةٍ لَهَا حَدٌّ مُقَدَّرٌ، لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ، فَإِذَا وَالَى بَيْنَ حَدَّيْنِ، صَارَ كَالزِّيَادَةِ عَلَى الْحَدِّ، فَلَمْ يَجُزْ.
وَأَمَّا قُطَّاعُ الطَّرِيقِ، فَإِنَّ قَطْعَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ حَدٌّ وَاحِدٌ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ. وَأَمَّا تَأْخِيرُ الْحَدِّ لِلْمَرِيضِ، فَفِيهِ مَنْعٌ، وَإِنْ سَلَّمْنَا، فَإِنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute