وَقَدْ ذَكَرْنَا فَرْقًا بَيْنَ الْبَدَلِ وَغَيْرِهِ، فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا كَسَرَ خَتْمَ الْكِيسِ، لَمْ يَلْزَمْهُ ضَمَانُ الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ فِي غَيْرِهِ. وَلَنَا، أَنَّهُ هَتَكَ حِرْزَهَا، فَضَمِنَهَا إذَا تَلِفَتْ، كَمَا لَوْ أَوْدَعَهُ إيَّاهَا فِي صُنْدُوقٍ مُقْفَلٍ، فَفَتَحَهُ وَتَرَكَهُ مَفْتُوحًا. وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ فِي غَيْرِ الْخَتْمِ.
[فَصْلٌ ضَمِنَ الْوَدِيعَةَ بِالِاسْتِعْمَالِ أَوْ بِالْجَحْدِ ثُمَّ رَدَّهَا إلَى صَاحِبِهَا]
(٥٠٦٧) فَصْلٌ: وَإِذَا ضَمِنَ الْوَدِيعَةَ بِالِاسْتِعْمَالِ أَوْ بِالْجَحْدِ، ثُمَّ رَدَّهَا إلَى صَاحِبِهَا، زَالَ عَنْهُ الضَّمَانُ، فَإِنْ رَدَّهَا صَاحِبُهَا إلَيْهِ، كَانَ ابْتِدَاءَ اسْتِئْمَانٍ، وَإِنْ لَمْ يَرُدَّهَا إلَيْهِ، وَلَكِنْ جَدَّدَ لَهُ الِاسْتِئْمَانَ أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ الضَّمَانِ، بَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ، فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ حَقُّهُ، فَإِذَا أَبْرَأَهُ مِنْهُ بَرِئَ، كَمَا لَوْ أَبْرَأَهُ مِنْ دَيْنٍ فِي ذِمَّتِهِ. وَإِذَا جَدَّدَ لَهُ اسْتِئْمَانًا، فَقَدْ انْتَهَى الْقَبْضُ الْمَضْمُونُ بِهِ، فَزَالَ الضَّمَانُ. وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا: إذَا رَهَنَ الْمَغْصُوبَ عِنْدَ الْغَاصِبِ، أَوْ أَوْدَعَهُ عِنْدَهُ، زَالَ عَنْهُ ضَمَانُ الْغَصْبِ، فَهَاهُنَا أَوْلَى.
[فَصْلٌ أَخَذَ الْوَدِيعَةَ لِيَسْتَعْمِلهَا أَوْ لِيَخْزُنَّ فِيهَا ثُمَّ رَدَّهَا إلَى مَوْضِعِهَا بُنَيَّة الْأَمَانَة]
(٥٠٦٨) فَصْلٌ: وَلَوْ تَعَدَّى فَلَبِسَ الثَّوْبَ، وَرَكِبَ الدَّابَّةَ، أَوْ أَخَذَ الْوَدِيعَةَ لِيَسْتَعْمِلَهَا، أَوْ لِيُخَزِّنَ فِيهَا، ثُمَّ رَدَّهَا إلَى مَوْضِعِهَا بِنِيَّةِ الْأَمَانَةِ، لَمْ يَبْرَأْ مِنْ الضَّمَانِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَبْرَأُ؛ لِأَنَّهُ مُمْسِكٌ لَهَا بِإِذْنِ مَالِكِهَا فَأَشْبَهَ مَا قَبْلَ التَّعَدِّي. وَلَنَا، أَنَّهُ ضَمِنَهَا بِعُدْوَانٍ، فَبَطَلَ الِاسْتِئْمَانُ، كَمَا لَوْ جَحَدَهَا ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا، وَبِهَذَا يَبْطُلُ مَا ذَكَرُوهُ.
[فَصْلٌ لَا يَصِحُّ الْإِيدَاعُ إلَّا مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ]
(٥٠٦٩) فَصْلٌ: وَلَا يَصِحُّ الْإِيدَاعُ إلَّا مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ، فَإِنْ أَوْدَعَ طِفْلٌ أَوْ مَعْتُوهٌ إنْسَانًا وَدِيعَةً، ضَمِنَهَا بِقَبْضِهَا، وَلَا يَزُولُ الضَّمَانُ عَنْهُ بِرَدِّهَا إلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَزُولُ بِدَفْعِهَا إلَى وَلِيِّهِ النَّاظِرِ لَهُ فِي مَالِهِ، أَوْ الْحَاكِمِ. فَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ مُمَيِّزًا، صَحَّ إيدَاعُهُ لِمَا أُذِنَ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ كَالْبَالِغِ بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَلِكَ. فَإِنْ أَوْدَعَ رَجُلٌ عِنْدَ صَبِيٍّ أَوْ مَعْتُوهٍ وَدِيعَةً، فَتَلِفَتْ، لَمْ يَضْمَنْهَا، سَوَاءٌ حَفِظَهَا أَوْ فَرَّطَ فِي حِفْظِهَا. فَإِنْ أَتْلَفَهَا، أَوْ أَكَلَهَا، ضَمِنَهَا فِي قَوْلِ الْقَاضِي وَظَاهِرِ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ.
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَى إتْلَافِهَا بِدَفْعِهَا إلَيْهِ، فَلَا يَلْزَمُهُ ضَمَانُهَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ إلَى صَغِيرٍ سِكِّينًا، فَوَقَعَ عَلَيْهَا، كَانَ ضَمَانُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ؟ وَلَنَا، أَنَّ مَا ضَمِنَهُ بِإِتْلَافِهِ قَبْلَ الْإِيدَاعِ، ضَمِنَهُ بَعْدَ الْإِيدَاعِ، كَالْبَالِغِ. وَلَا يَصِحُّ قَوْلُهُمْ: إنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَى إتْلَافِهَا. وَإِنَّمَا اسْتَحْفَظَهُ إيَّاهَا، وَفَارَقَ دَفْعَ السِّكِّينِ، فَإِنَّهُ سَبَبٌ لِلْإِتْلَافِ، وَدَفْعُ الْوَدِيعَةِ بِخِلَافِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute