[مَسْأَلَةٌ قَتَلَ أَوْ أَتَى حَدًّا فِي الْحَرَمِ]
مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَمَنْ قَتَلَ، أَوْ أَتَى حَدًّا فِي الْحَرَمِ، أُقِيمَ عَلَيْهِ فِي الْحَرَمِ.) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ مَنْ انْتَهَكَ حُرْمَةَ الْحَرَمِ، بِجِنَايَةٍ فِيهِ تُوجِبُ حَدًّا أَوْ قِصَاصًا فَإِنَّهُ يُقَامُ عَلَيْهِ حَدُّهَا، لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. وَقَدْ رَوَى الْأَثْرَمُ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا فِي الْحَرَمِ، أُقِيمَ عَلَيْهِ مَا أَحْدَثَ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ. وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِقِتَالِ مَنْ قَاتَلَ فِي الْحَرَمِ. فَقَالَ تَعَالَى: {وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ} [البقرة: ١٩١] . فَأَبَاحَ قَتْلَهُمْ عِنْدَ قِتَالِهِمْ فِي الْحَرَمِ؛ وَلِأَنَّ أَهْلَ الْحَرَمِ يَحْتَاجُونَ إلَى الزَّجْرِ عَنْ ارْتِكَابِ الْمَعَاصِي كَغَيْرِهِمْ، حِفْظًا لِأَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ، فَلَوْ لَمْ يُشْرَعْ الْحَدُّ فِي حَقِّ مَنْ ارْتَكَبَ الْحَدَّ فِي الْحَرَمِ، لَتَعَطَّلَتْ حُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى فِي حَقِّهِمْ، وَفَاتَتْ هَذِهِ الْمَصَالِحُ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا، وَلَا يَجُوزُ الْإِخْلَالُ بِهَا؛ وَلِأَنَّ الْجَانِيَ فِي الْحَرَمِ هَاتِكٌ لِحُرْمَتِهِ، فَلَا يَنْتَهِضُ الْحَرَمُ لِتَحْرِيمِ ذِمَّتِهِ وَصِيَانَتِهِ، بِمَنْزِلَةِ الْجَانِي فِي دَارِ الْمَلِكِ، لَا يُعْصَمُ لِحُرْمَةِ الْمَلِكِ، بِخِلَافِ الْمُلْتَجِئِ إلَيْهَا بِجِنَايَةٍ صَدَرَتْ مِنْهُ فِي غَيْرِهَا.
[فَصْلٌ حَرَمُ مَدِينَةِ النَّبِيِّ هَلْ يَمْنَعُ إقَامَةَ الْحَدِّ]
(٧٢٥٠) فَصْلٌ: فَأَمَّا حَرَمُ مَدِينَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَا يَمْنَعُ إقَامَةَ حَدٍّ وَلَا قِصَاصٍ؛ لِأَنَّ النَّصَّ إنَّمَا وَرَدَ فِي حَرَمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَحَرَمُ الْمَدِينَةِ دُونَهُ فِي الْحُرْمَةِ، فَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْبِقَاعِ، لَا تَمْنَعُ مِنْ اسْتِيفَاءِ حَقٍّ، وَلَا إقَامَةِ حَدٍّ؛ لِأَنَّ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى بِاسْتِيفَاءِ الْحُقُوقِ، وَإِقَامَةِ الْحَدِّ مُطْلَقٌ فِي الْأَمْكِنَةِ وَالْأَزْمِنَةِ، خَرَجَ مِنْهَا الْحَرَمُ لِمَعْنًى لَا يَكْفِي فِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْأَنْسَاكِ وَقِبْلَةُ الْمُسْلِمِينَ، وَفِيهِ بَيْتُ اللَّهِ الْمَحْجُوجُ، وَأَوَّلُ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ، وَمَقَامُ، إبْرَاهِيمَ، وَآيَاتٌ بَيِّنَاتٌ، فَلَا يُلْتَحَقُ بِهِ سِوَاهُ، وَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ مَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -.
[بَابُ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ]
ِ وَالْأَصْلُ فِيهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ؛ أَمَّا الْكِتَابُ، فَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨] . وَأَمَّا السُّنَّةُ، فَرَوَتْ عَائِشَةُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قَالَ «تُقْطَعُ الْيَدُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا» . وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، بِأَنَّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ قَطَعُوهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا. فِي أَخْبَارٍ سِوَى هَذَيْنِ، نَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَوَاضِعِهَا، وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى وُجُوبِ قَطْعِ السَّارِقِ فِي الْجُمْلَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute