أَجْرٍ، فَهُوَ عَلَى الْمُلْتَقِطِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ أَنَّهُ إنْ قَصَدَ الْحِفْظَ لِصَاحِبِهَا دُونَ تَمَلُّكِهَا، رَجَعَ بِالْأَجْرِ عَلَى مَالِكِهَا. وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ، فِيمَا لَا يُمْلَكُ بِالتَّعْرِيفِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مُؤْنَةِ إيصَالِهَا إلَى صَاحِبِهَا، فَكَانَ عَلَى مَالِكِهَا، كَأَجْرِ مَخْزَنِهَا وَرَعْيِهَا وَتَجْفِيفِهَا
وَلَنَا أَنَّ هَذَا أَجْرٌ وَاجِبٌ عَلَى الْمُعَرِّفِ، فَكَانَ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ قَصَدَ تَمَلُّكَهَا، وَلِأَنَّهُ لَوْ وَلِيَهُ بِنَفْسِهِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَجْرٌ عَلَى صَاحِبِهَا، فَكَذَلِكَ إذَا اسْتَأْجَرَ عَلَيْهِ لَا يَلْزَمُ صَاحِبَهَا شَيْءٌ، وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ لِتَمَلُّكِهَا، فَكَانَ عَلَى الْمُلْتَقِطِ، كَمَا لَوْ قَصَدَ تَمَلُّكَهَا. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ أَعْطَى مِنْهَا شَيْئًا لِمَنْ عَرَّفَهَا، فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ دَفَعَ مِنْهَا شَيْئًا لِمَنْ حَفِظَهَا. وَقَدْ ذَكَرْنَا الدَّلِيلَ عَلَى ذَلِكَ.
[الْفَصْلُ السَّادِس كَيْفِيَّةِ تَعْرِيف اللُّقَطَةِ]
(٤٤٩٩) الْفَصْلُ السَّادِسُ: فِي كَيْفِيَّةِ التَّعْرِيفِ، وَهُوَ أَنْ يَذْكُرَ جِنْسَهَا لَا غَيْرُ، فَيَقُولَ: مَنْ ضَاعَ مِنْهُ ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةٌ أَوْ دَنَانِيرُ أَوْ ثِيَابٌ. وَنَحْوُ ذَلِكَ؛ لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِوَاجِدِ الذَّهَبِ قُلْ: الذَّهَبُ بِطَرِيقِ الشَّامِ وَلَا تَصِفْهَا لِأَنَّهُ لَوْ وَصَفَهَا لَعَلِمَ صِفَتَهَا مَنْ يَسْمَعُهَا، فَلَا تَبْقَى صِفَتُهَا دَلِيلًا عَلَى مِلْكِهَا، لِمُشَارَكَةِ غَيْرِ الْمَالِكِ فِي ذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَدَّعِيَهَا بَعْضُ مِنْ سَمِعَ صِفَتَهَا، وَيَذْكُرَ صِفَتَهَا الَّتِي يَجِبُ دَفْعُهَا بِهَا، فَيَأْخُذَهَا وَهُوَ لَا يَمْلِكُهَا، فَتَضِيعَ عَلَى مَالِكِهَا.
[فَصْلٌ يَسِيرِ اللُّقَطَةِ وَكَثِيرهَا]
(٤٥٠٠) فَصْلٌ: لَمْ يُفَرِّقْ الْخِرَقِيِّ بَيْنَ يَسِيرِ اللُّقَطَةِ وَكَثِيرِهَا. وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، إلَّا فِي الْيَسِيرِ الَّذِي لَا تَتْبَعُهُ النَّفْسُ، كَالتَّمْرَةِ وَالْكِسْرَةِ وَالْخِرْقَةِ، وَمَا لَا خَطَرَ لَهُ، فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَخْذِهِ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَعْرِيفٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُنْكِرْ عَلَى وَاجِدِ التَّمْرَةِ حَيْثُ أَكَلَهَا، بَلْ «قَالَ لَهُ: لَوْ لَمْ تَأْتِهَا لَأَتَتْك» . «وَرَأَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَمْرَةً فَقَالَ: لَوْلَا أَنِّي أَخْشَى أَنْ تَكُونَ مِنْ الصَّدَقَةِ، لَأَكَلْتُهَا»
وَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي إبَاحَةِ أَخْذِ الْيَسِيرِ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ، وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ، وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَطَاوُسٌ، وَالنَّخَعِيُّ، وَيَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَلَيْسَ عَنْ أَحْمَدَ وَأَكْثَرَ مَنْ ذَكَرْنَا تَحْدِيدُ الْيَسِيرِ الَّذِي يُبَاحُ. وَقَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجِبُ تَعْرِيفُ مَا لَا يُقْطَعُ بِهِ السَّارِقُ، وَهُوَ رُبْعُ دِينَارٍ عِنْدَ مَالِكٍ، وَعَشَرَةُ دَرَاهِمَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ
لِأَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ تَافِهٌ، فَلَا يَجِبُ تَعْرِيفُهُ، كَالْكِسْرَةِ وَالتَّمْرَةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ تَافِهٌ قَوْلُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: كَانُوا لَا يَقْطَعُونَ فِي الشَّيْءِ التَّافِهِ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، أَنَّهُ وَجَدَ دِينَارًا فَتَصَرَّفَ فِيهِ. وَرَوَى الْجُوزَجَانِيُّ، عَنْ سَلْمَى بِنْتِ كَعْبٍ، قَالَتْ: وَجَدْت خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ، فِي طَرِيقِ مَكَّةَ، فَسَأَلْت عَائِشَةَ عَنْهُ، فَقَالَتْ: تَمَتَّعِي بِهِ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد، بِإِسْنَادِهِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «رَخَّصَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute