[بَابُ الْفِدْيَةِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ] [مَسْأَلَة الْمُحْرِمُ حَلَقَ أَرْبَعَ شَعَرَاتٍ فَصَاعِدًا عَامِدًا أَوْ مُخْطِئًا] [فَصْلُ عَلَى الْمُحْرِمِ فِدْيَةً إذَا حَلَقَ رَأْسَهُ]
ِ (٢٦٣٨) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَمَنْ حَلَقَ أَرْبَعَ شَعَرَاتٍ فَصَاعِدًا، عَامِدًا أَوْ مُخْطِئًا، فَعَلَيْهِ صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، أَوْ إطْعَامُ ثَلَاثَةِ آصُعٍ مِنْ تَمْرٍ بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ، أَوْ ذَبْحُ شَاةٍ، أَيَّ ذَلِكَ فَعَلَ أَجْزَأَهُ) الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي سِتَّةِ فُصُولٍ: (٢٦٣٩) الْفَصْلُ الْأَوَّل، أَنَّ عَلَى الْمُحْرِمِ فِدْيَةً إذَا حَلَقَ رَأْسَهُ. وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى وُجُوبِ الْفِدْيَةِ عَلَى مَنْ حَلَقَ وَهُوَ مُحْرِمٌ بِغَيْرِ عِلَّةٍ. وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: ١٩٦] . «وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ: لَعَلَّك آذَاك هَوَامُّك؟ قَالَ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: احْلِقْ رَأْسَك، وَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، أَوْ اُنْسُكْ شَاةً» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي لَفْظٍ: " أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعِ تَمْرٍ ". وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ إزَالَةِ الشَّعْرِ بِالْحَلْقِ، أَوْ النُّورَةِ، أَوْ قَصِّهِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا. (٢٦٤٠) الْفَصْلُ الثَّانِي، أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَامِدِ وَالْمُخْطِئِ، وَمَنْ لَهُ عُذْرٌ وَمَنْ لَا عُذْرَ لَهُ، فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيَّ وَنَحْوُهُ عَنْ الثَّوْرِيِّ. وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ، لَا فِدْيَةَ عَلَى النَّاسِي. وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ» . وَلَنَا، أَنَّهُ إتْلَافٌ، فَاسْتَوَى عَمْدُهُ وَخَطَؤُهُ، كَقَتْلِ الصَّيْدِ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ الْفِدْيَةَ عَلَى مَنْ حَلَقَ رَأْسَهُ لِأَذًى بِهِ وَهُوَ مَعْذُورٌ، فَكَانَ ذَلِكَ تَنْبِيهًا عَلَى وُجُوبِهَا عَلَى غَيْرِ الْمَعْذُورِ، وَدَلِيلًا عَلَى وُجُوبِهَا عَلَى الْمَعْذُورِ بِنَوْعٍ آخَرَ، مِثْلُ الْمُحْتَجِمِ الَّذِي يَحْلِقُ مَوْضِعَ مَحَاجِمِهِ، أَوْ شَعْرًا عَنْ شَجَّتِهِ، وَفِي مَعْنَى النَّاسِي النَّائِمُ الَّذِي يَقْلَعُ شَعْرَهُ، أَوْ يُصَوِّبُ شَعْرَهُ إلَى تَنُّورٍ فَيَحْرِقُ لَهَبُ النَّارِ شَعْرَهُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ. (٢٦٤١) الْفَصْلُ الثَّالِثُ، أَنَّ الْفِدْيَةَ هِيَ إحْدَى الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْآيَةِ وَالْخَبَرِ، أَيَّهَا شَاءَ فَعَلَ؛ لِأَنَّهُ أُمِرَ بِهَا بِلَفْظِ التَّخْيِيرِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمَعْذُورِ وَغَيْرِهِ، وَالْعَامِدِ وَالْمُخْطِئِ. وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ. وَعَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ إذَا حَلَقَ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَعَلَيْهِ الدَّمُ، مِنْ غَيْرِ تَخْيِيرٍ. وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَيَّرَ بِشَرْطِ الْعُذْرِ، فَإِذَا عُدِمَ الشَّرْطُ وَجَبَ زَوَالُ التَّخْيِيرِ. وَلَنَا، أَنَّ الْحُكْمَ ثَبَتَ فِي غَيْرِ الْمَعْذُورِ بِطَرِيقِ التَّنْبِيهِ تَبَعًا لَهُ، وَالتَّبَعُ لَا يُخَالِفُ أَصْلَهُ، وَلِأَنَّ كُلَّ كَفَّارَةٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute