للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا نَوَى» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، فَنَفَى أَنْ يَكُونَ لَهُ عَمَلٌ شَرْعِيٌّ بِدُونِ النِّيَّةِ؛ وَلِأَنَّهَا طَهَارَةٌ عَنْ حَدَثٍ، فَلَمْ تَصِحَّ بِغَيْرِ نِيَّةٍ، وَالْآيَةُ حُجَّةٌ لَنَا؛ فَإِنَّ قَوْلَهُ {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} [المائدة: ٦] . أَيْ: لِلصَّلَاةِ، كَمَا يُقَالُ: إذَا لَقِيت الْأَمِيرَ فَتَرَجَّلْ. أَيْ: لَهُ وَإِذَا رَأَيْت الْأَسَدَ فَاحْذَرْ. أَيْ: مِنْهُ، وَقَوْلُهُمْ: ذَكَرَ كُلَّ الشَّرَائِطِ.

قُلْنَا: إنَّمَا ذَكَرَ أَرْكَانَ الْوُضُوءِ، وَبَيَّنَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَرْطَهُ كَآيَةِ التَّيَمُّمِ. وَقَوْلُهُمْ: مُقْتَضَى الْأَمْرِ حُصُولُ الْإِجْزَاءِ. قُلْنَا: بَلْ مُقْتَضَاهُ وُجُوبُ الْفِعْلِ، وَهُوَ وَاجِبٌ. فَاشْتُرِطَ لِصِحَّتِهِ شَرْطٌ آخَرُ، بِدَلِيلِ التَّيَمُّمِ وَقَوْلُهُمْ: إنَّهَا طَهَارَةٌ. قُلْنَا: إلَّا أَنَّهَا عِبَادَةٌ، وَالْعِبَادَةُ لَا تَكُونُ إلَّا مَنْوِيَّةً؛ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَطَاعَةٌ لَهُ، وَامْتِثَالٌ لِأَمْرِهِ، وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِغَيْرِ نِيَّةٍ.

[فَصْل مَحَلُّ النِّيَّةِ]

(١٤٤) فَصْلٌ: وَمَحَلُّ النِّيَّةِ الْقَلْبُ؛ إذْ هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ الْقَصْدِ، وَمَحَلُّ الْقَصْدِ الْقَلْبُ، فَمَتَى اعْتَقَدَ بِقَلْبِهِ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ لَمْ يَلْفِظْ بِلِسَانِهِ وَإِنْ لَمْ تَخْطِرْ النِّيَّةُ بِقَلْبِهِ لَمْ يُجْزِهِ. وَلَوْ سَبَقَ لِسَانُهُ إلَى غَيْرِ مَا اعْتَقَدَهُ لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ صِحَّةَ مَا اعْتَقَدَهُ بِقَلْبِهِ.

[فَصْلٌ صِفَةُ النِّيَّة]

(١٤٥) فَصْلٌ: وَصِفَتُهَا أَنْ يَقْصِدَ بِطَهَارَتِهِ اسْتِبَاحَةَ شَيْءٍ لَا يُسْتَبَاحُ إلَّا بِهَا، كَالصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ، وَيَنْوِي رَفْعَ الْحَدَثِ، وَمَعْنَاهُ إزَالَةُ الْمَانِعِ مِنْ كُلِّ فِعْلٍ يَفْتَقِرُ إلَى الطَّهَارَةِ. وَهَذَا قَوْلُ مَنْ وَافَقَنَا عَلَى اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ، لَا نَعْلَمُ بَيْنَهُمْ فِيهِ اخْتِلَافًا. فَإِنْ نَوَى بِالطَّهَارَةِ مَا لَا تُشْرَعُ لَهُ الطَّهَارَةُ؛ كَالتَّبَرُّدِ وَالْأَكْلِ وَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَنَحْوِهِ، وَلَمْ يَنْوِ الطَّهَارَةَ الشَّرْعِيَّةَ، لَمْ يَرْتَفِعْ حَدَثُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ الطَّهَارَةَ، وَلَا مَا يَتَضَمَّنُ نِيَّتَهَا، فَلَمْ يَحْصُلْ لَهُ شَيْءٌ، كَاَلَّذِي لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا.

وَإِنْ نَوَى تَجْدِيدَ الطَّهَارَةِ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ مُحْدِثًا، فَهَلْ تَصِحُّ طَهَارَتُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ طَهَارَةٌ شَرْعِيَّةٌ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْصُلَ لَهُ مَا نَوَاهُ، وَلِلْخَبَرِ، وَقِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ. وَالثَّانِيَةُ لَا تَصِحُّ طَهَارَتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ رَفْعَ الْحَدَثِ وَلَا مَا تَضَمَّنَهُ، أَشْبَهَ مَا لَوْ نَوَى التَّبَرُّدَ. وَإِنْ نَوَى مَا تُشْرَعُ لَهُ الطَّهَارَةُ وَلَا تُشْتَرَطُ، كَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالْأَذَانِ وَالنَّوْمِ، فَهَلْ يَرْتَفِعُ حَدَثُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَصْلُهُمَا، إذَا نَوَى تَجْدِيدَ الْوُضُوءِ وَهُوَ مُحْدِثٌ، وَالْأَوْلَى صِحَّةُ طَهَارَتِهِ؛ لِأَنَّهُ نَوَى شَيْئًا مِنْ ضَرُورَةِ صِحَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>