كَانَتْ عَلَيْهِ مَشَقَّةٌ فِيهِ، أَوْ خَوْفُ ضَرَرٍ، وَأَيُّهُمَا قُدِّرَ فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الْجَوَازِ هَاهُنَا، وَلِأَنَّا أَبَحْنَا لَهُ تَرْكَ الْوُضُوءِ إذَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ إلَّا بِزِيَادَةٍ عَلَى ثَمَنِ الْمِثْلِ - حِفْظًا لِجُزْءٍ مِنْ مَالِهِ -، وَتَرْكَ الصَّوْمِ لِأَجْلِ الْمَرَضِ وَالرَّمَدِ، وَدَلَّتْ الْأَخْبَارُ عَلَى جَوَازِ تَرْكِ الْقِيَامِ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ عَلَى الرَّاحِلَةِ، خَوْفًا مِنْ ضَرَرِ الطِّينِ فِي ثِيَابِهِ وَبَدَنِهِ، وَجَازَ تَرْكُ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ صِيَانَةً لِنَفْسِهِ وَثِيَابِهِ مِنْ الْبَلَلِ وَالتَّلَوُّثِ بِالطِّينِ، وَجَازَ تَرْكُ الْقِيَامِ اتِّبَاعًا لِإِمَامِ الْحَيِّ إذَا صَلَّى جَالِسًا، وَالصَّلَاةُ عَلَى جَنْبِهِ وَمُسْتَلْقِيًا فِي حَالِ الْخَوْفِ مِنْ الْعَدُوِّ، وَلَا يَنْقُصُ الضَّرَرُ بِفَوَاتِ الْبَصَرِ عَنْ الضَّرَرِ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ، فَأَمَّا خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ - إنْ صَحَّ - فَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُخْبِرَ لَمْ يُخْبِرْ عَنْ يَقِينٍ، وَإِنَّمَا قَالَ: أَرْجُو. أَوْ أَنَّهُ لَمْ يُقْبَلْ خَبَرُهُ لِكَوْنِهِ وَاحِدًا، أَوْ مَجْهُولَ الْحَالِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا.
[فَصْلٌ عَجَزَ عَنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ]
(١٠٧١) فَصْلٌ: وَإِنْ عَجَزَ عَنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَوْمَأَ بِهِمَا، كَمَا يُومِئُ بِهِمَا فِي حَالَةِ الْخَوْفِ، وَيَجْعَلُ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنْ الرُّكُوعِ، وَإِنْ عَجَزَ عَنْ السُّجُودِ وَحْدَهُ رَكَعَ، وَأَوْمَأَ بِالسُّجُودِ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَحْنِيَ ظَهْرَهُ حَنَى رَقَبَتَهُ، وَإِنْ تَقَوَّسَ ظَهْرُهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ وَاقِعٌ، فَمَتَى أَرَادَ الرُّكُوعَ زَادَ فِي انْحِنَائِهِ قَلِيلًا، وَيُقَرِّبُ وَجْهَهُ إلَى الْأَرْضِ فِي السُّجُودِ أَكْثَرَ مَا يُمْكِنُهُ. وَإِنْ قَدَرَ عَلَى السُّجُودِ عَلَى صُدْغِهِ لَمْ يَفْعَلْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَعْضَاءِ السُّجُودِ. وَإِنْ وَضَعَ بَيْنَ يَدَيْهِ وِسَادَةً، أَوْ شَيْئًا عَالِيًا، أَوْ سَجَدَ عَلَى رَبْوَةٍ أَوْ حَجَرٍ، جَازَ، إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ تَنْكِيسُ وَجْهِهِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ قَالَ: أَخْتَارُ السُّجُودَ عَلَى الْمِرْفَقَةِ. وَقَالَ: هُوَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الْإِيمَاءِ. وَكَذَلِكَ قَالَ إِسْحَاقُ. وَجَوَّزَهُ الشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَرَخَّصَ فِيهِ ابْنُ عَبَّاسٍ.
وَسَجَدَتْ أُمُّ سَلَمَةَ عَلَى الْمِرْفَقَةِ. وَكَرِهَ ابْنُ مَسْعُودٍ السُّجُودَ عَلَى عُودٍ، وَقَالَ: يُومِئُ إيمَاءً. وَوَجْهُ الْجَوَازِ؛ أَنَّهُ أَتَى بِمَا يُمْكِنُهُ مِنْ الِانْحِطَاطِ، فَأَجْزَأَهُ، كَمَا لَوْ أَوْمَأَ، فَأَمَّا إنْ رَفَعَ إلَى وَجْهِهِ شَيْئًا فَسَجَدَ عَلَيْهِ، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَا يُجْزِئُهُ. وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَجَابِرٍ، وَأَنَسٍ، أَنَّهُمْ قَالُوا: يُومِئُ، وَلَا يَرْفَعُ إلَى وَجْهِهِ شَيْئًا. وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَمَالِكٍ، وَالثَّوْرِيِّ. وَرَوَى الْأَثْرَمُ عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ قَالَ: أَيَّ ذَلِكَ فَعَلَ، فَلَا بَأْسَ، يُومِئُ، أَوْ يَرْفَعُ الْمِرْفَقَةَ فَيَسْجُدُ عَلَيْهَا. قِيلَ لَهُ: الْمِرْوَحَةُ؟ قَالَ: لَا. أَمَّا الْمِرْوَحَةُ فَلَا.
وَعَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ قَالَ: الْإِيمَاءُ أَحَبُّ إلَيَّ. وَإِنْ رَفَعَ إلَى وَجْهِهِ شَيْئًا فَسَجَدَ عَلَيْهِ، أَجْزَأَهُ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ. وَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ الِانْحِطَاطُ أَكْثَرَ مِنْهُ، وَوَجْهُ ذَلِكَ، أَنَّهُ أَتَى بِمَا أَمْكَنَهُ مِنْ وَضْعِ رَأْسِهِ، فَأَجْزَأَهُ، كَمَا لَوْ أَوْمَأَ. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُ سَجَدَ عَلَى مَا هُوَ حَامِلٌ لَهُ، فَلَمْ يَجْزِهِ، كَمَا لَوْ سَجَدَ عَلَى يَدَيْهِ.
[فَصْلٌ لَمْ يَقْدِرْ الْمُصَلَّيْ عَلَى الْإِيمَاءِ بِرَأْسِهِ]
(١٠٧٢) فَصْلٌ: وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْإِيمَاءِ بِرَأْسِهِ، أَوْمَأَ بِطَرَفِهِ، وَنَوَى بِقَلْبِهِ، وَلَا تَسْقُطُ الصَّلَاةُ عَنْهُ مَا دَامَ عَقْلُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute