وَإِلَّا فَمَا عَلَيْهِ عَلَى. فَقَالَ: لَا أَدْرِي، وَلَكِنْ إنْ قَالَ: سَاعَةَ كَذَا. لَزِمَهُ. فَنَصَّ عَلَى تَعْيِينِ السَّاعَةِ وَتَوَقَّفَ عَنْ تَعْيِينِ الْوَقْتِ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ وَقْتًا مُتَّسِعًا، أَوْ وَقْتَ شَيْءٍ يَحْدُثُ، مِثْلُ وَقْتِ الْحَصَادِ وَنَحْوه. فَأَمَّا إنْ قَالَ: وَقْتَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَنَحْو ذَلِكَ، صَحَّ. وَإِنْ قَالَ: إلَى الْغَدِ أَوْ شَهْرِ كَذَا. تَعَلَّقَ بِأَوَّلِهِ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي السَّلَمِ.
[فَصْل تَكَفَّلَ بِرَجُلِ إلَى أَجَلٍ]
فَصْلٌ: وَإِذَا تَكَفَّلَ بِرَجُلٍ إلَى أَجَلٍ، إنْ جَاءَ بِهِ فِيهِ، وَإِلَّا لَزِمَهُ مَا عَلَيْهِ، صَحَّ. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ: وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَالشَّافِعِيُّ: لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ، وَلَا يَلْزَمُهُ مَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ هَذَا تَعْلِيقُ الضَّمَانِ بِخَطَرٍ فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ عَلَّقَهُ بِقُدُومِ زَيْدٍ. وَلَنَا، أَنَّ هَذَا مُوجِبُ الْكَفَالَةِ وَمُقْتَضَاهَا، فَصَحَّ اشْتِرَاطُهُ، كَمَا لَوْ قَالَ: إنَّ جِئْت بِهِ فِي وَقْتِ كَذَا، وَإِلَّا فَلَكَ حَبْسِي.
وَمَبْنَى الْخِلَافِ هَاهُنَا عَلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّ هَذَا مُقْتَضَى الْكَفَالَةِ، وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَيْهِ. وَأَمَّا إنْ قَالَ: إنْ جِئْت بِهِ فِي وَقْتِ كَذَا، وَإِلَّا فَأَنَا كَفِيلٌ بِبَدَنِ فُلَانٍ، أَوْ فَأَنَا ضَامِنٌ لَك مَالَك عَلَى فُلَانٍ. أَوْ قَالَ: إذَا جَاءَ زَيْدٌ فَأَنَا ضَامِنٌ لَك مَا عَلَيْهِ. أَوْ إذَا قَدِمَ الْحَاجُّ فَأَنَا كَفِيلٌ بِفُلَانٍ. أَوْ قَالَ: أَنَا كَفِيلٌ بِفُلَانٍ شَهْرًا. فَقَالَ الْقَاضِي: لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ.
وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ خَطَرٌ فَلَمْ يَجُزْ تَعْلِيقُ الضَّمَانِ وَالْكَفَالَةِ بِهِ، كَمَجِيءِ الْمَطَرِ وَهُبُوبِ الرِّيحِ، وَلِأَنَّهُ إثْبَاتُ حَقٍّ لِآدَمِيٍّ مُعَيَّنٍ، فَلَمْ يَجُزْ تَعْلِيقُهُ عَلَى شَرْطٍ، وَلَا تَوْقِيتُهُ، كَالْهِبَةِ. وَقَالَ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ، وَأَبُو الْخَطَّابِ: تَصِحُّ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الضَّمَانَ إلَى سَبَبِ الْوُجُودِ، فَيَجِبُ أَنْ يَصِحَّ، كَضَمَانِ الدَّرَكِ. وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ. فَإِنْ قَالَ: كَفَلْت بِفُلَانٍ إنْ جِئْت بِهِ فِي وَقْتِ كَذَا. وَإِلَّا فَأَنَا كَفِيلٌ بِفُلَانٍ، أَوْ ضَامِنُ الْمَالِ الَّذِي عَلَى فُلَانٍ. لَمْ يَصِحَّ فِيهِمَا عِنْدَ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ مُؤَقَّتٌ، وَالثَّانِيَ مُعَلَّقٌ عَلَى شَرْطٍ.
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَصِحُّ فِيهِمَا. فَأَمَّا إنْ قَالَ: كَفَلْت بِأَحَدِ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ. لَمْ يَصِحَّ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ فِي الْحَالِ وَلَا فِي الْمَآلِ.
[فَصْلٌ قَالَ كَفَلْت بِبَدَنِ فُلَانٍ عَلَى أَنْ يَبْرَأَ فُلَانٌ الْكَفِيلُ أَوْ عَلَى أَنْ تُبْرِئَهُ مِنْ الْكَفَالَةِ]
(٣٦٠٢) فَصْلٌ: فَإِنْ قَالَ: كَفَلْت بِبَدَنِ فُلَانٍ، عَلَى أَنْ يَبْرَأَ فُلَانٌ الْكَفِيلُ. أَوْ عَلَى أَنْ تُبْرِئَهُ مِنْ الْكَفَالَةِ؛ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ شَرْطًا لَا يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ، فَيَكُونُ فَاسِدًا وَتَفْسُدُ الْكَفَالَةُ بِهِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ تَحْوِيلَ الْوَثِيقَةِ الَّتِي عَلَى الْكَفِيلِ إلَيْهِ. فَعَلَى هَذَا لَا تَلْزَمُهُ الْكَفَالَةُ، إلَّا أَنْ يُبْرِئَ الْمَكْفُولُ لَهُ الْكَفِيلَ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا كَفَلَ بِهَذَا الشَّرْطِ، فَلَا تَثْبُتُ كَفَالَتُهُ بِدُونِ شَرْطِهِ. وَإِنْ قَالَ: كَفَلْت لَك بِهَذَا الْغَرِيمِ، عَلَى أَنْ تُبْرِئَنِي مِنْ الْكَفَالَةِ بِفُلَانٍ.
أَوْ ضَمِنْت لَك هَذَا الدَّيْنَ، بِشَرْطِ أَنْ تُبْرِئَنِي مِنْ ضَمَانِ الدِّينِ الْآخَرِ، أَوْ عَلَى أَنْ تُبْرِئَنِي مِنْ الْكَفَالَةِ بِفُلَانِ. خُرِّجَ فِيهِ الْوَجْهَانِ، وَالْأَوْلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ فَسْخَ عَقْدٍ فِي عَقْدٍ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ فَسْخِ بَيْعٍ آخَرَ. وَكَذَلِكَ لَوْ شَرَطَ فِي الْكَفَالَةِ أَوْ الضَّمَانِ أَنْ يَتَكَفَّلَ الْمَكْفُولُ لَهُ أَوْ الْمَكْفُولُ بِهِ بِآخَرَ، أَوْ يَضْمَنَ دَيْنًا عَلَيْهِ، أَوْ يَبِيعَهُ شَيْئًا عَيَّنَهُ، أَوْ يُؤْجِرَهُ دَارِهِ، لَمْ يَصِحَّ؛ لِمَا ذَكَرْنَا.
[فَصْلٌ تَكَفَّلَ اثْنَانِ بِوَاحِدِ]
(٣٦٠٣) فَصْلٌ: وَلَوْ تَكَفَّلَ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ، صَحَّ. وَأَيُّهُمْ قَضَى الدَّيْنَ بَرِئَ الْآخَرَانِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الضَّمَانِ. وَإِنْ سَلَّمَ الْمَكْفُولُ بِهِ نَفْسَهُ، بَرِئَ كَفِيلَاهُ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا يَلْزَمُ الْكَفِيلَيْنِ، وَهُوَ إحْضَارُ نَفْسِهِ، فَبَرِئَتْ ذِمَّتُهُمَا، كَمَا لَوْ قَضَى الدَّيْنَ. وَإِنْ أَحْضَرَ أَحَدَ الْكَفِيلَيْنِ، لَمْ يَبْرَأْ الْآخَرُ؛ لِأَنَّ إحْدَى الْوَثِيقَتَيْنِ انْحَلَّتْ مِنْ غَيْرِ اسْتِيفَاءٍ، فَلَمْ تَنْحَلَّ الْأُخْرَى، كَمَا لَوْ أَبْرَأَ أَحَدَهُمَا، أَوْ انْفَكَّ أَحَدُ الرَّهْنَيْنِ مِنْ قَضَاءِ الْحَقِّ. وَفَارَقَ مَا إذَا سَلَّمَ الْمَكْفُولُ بِهِ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّهُ أَصْلٌ لَهُمَا، فَإِذَا بَرِئَ الْأَصْلُ مِمَّا تَكَفَّلَ بِهِ عَنْهُ، بَرِئَ فَرْعَاهُ،