للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مَسْأَلَةٌ كَاتَبَهُ ثُمَّ دَبَّرَهُ فَإِذَا أَدَّى فَمَا الْحُكْمُ]

(٨٧٨٥) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: وَإِذَا كَاتَبَهُ، ثُمَّ دَبَّرَهُ، فَإِذَا أَدَّى، صَارَ حُرًّا، وَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ الْأَدَاءِ، عَتَقَ بِالتَّدْبِيرِ، إنْ حَمَلَ الثُّلُثَ، مَا بَقِيَ مِنْ كِتَابَتِهِ، وَإِلَّا عَتَقَ مِنْهُ بِمِقْدَارِ الثُّلُثِ، وَسَقَطَ مِنْ الْكِتَابَةِ بِمِقْدَارِ مَا عَتَقَ، وَكَانَ عَلَى الْكِتَابَةِ فِيمَا بَقِيَ وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ تَدْبِيرَ الْمُكَاتَبِ صَحِيحٌ. لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا؛ لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِصِفَةِ، وَهُوَ يَمْلِكُ إعْتَاقَهُ، وَإِنْ كَانَ وَصِيَّةً، فَهُوَ وَصِيَّةٌ بِإِعْتَاقِهِ، وَهُوَ يَمْلِكُهُ. فَعِنْدَ هَذَا، إنْ أَدَّى عَتَقَ بِالْأَدَاءِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِلْعِتْقِ، وَيَبْطُلُ التَّدْبِيرُ لِلْغِنَى عَنْهُ، وَمَا فِي يَدِهِ لَهُ. وَإِنْ عَجَزَ، وَفُسِخَتْ الْكِتَابَةُ، بَطَلَتْ كِتَابَتُهُ، وَصَارَ مُدَبَّرًا غَيْرَ مُكَاتَبٍ. فَإِذَا مَاتَ السَّيِّدُ، عَتَقَ إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ، وَمَا فِي يَدِهِ لِسَيِّدِهِ.

وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ، عَتَقَ مِنْهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ، فَإِنْ مَاتَ السَّيِّدُ قَبْلَ أَدَائِهِ وَعَجَّزَهُ، عَتَقَ بِالتَّدْبِيرِ، إنْ حَمَلَهُ الثُّلُثُ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ، عَتَقَ مِنْهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ، وَسَقَطَ مِنْ الْكِتَابَةِ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ؛ لِأَنَّ مَالَ الْكِتَابَةِ عِوَضٌ عَنْهُ، فَإِذَا عَتَقَ نِصْفُهُ، وَجَبَ أَنْ يَسْقُطَ نِصْفُ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَبْقَ الْكِتَابَةُ إلَّا فِي نِصْفِهِ، فَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهَا إلَّا بِقَدْرِ ذَلِكَ، وَهُوَ عَلَى الْكِتَابَةِ فِيمَا بَقِيَ وَمَا فِي يَدِهِ لَهُ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَقَالَ أَصْحَابُنَا: إذَا عَتَقَ بِالتَّدْبِيرِ، بَطَلَتْ الْكِتَابَةُ، وَكَانَ مَا فِي يَدِهِ لِسَيِّدِهِ، كَمَا لَوْ بَطَلَتْ الْكِتَابَةُ بِعَجْزِهِ؛ لِأَنَّهُ عَبْدٌ عَتَقَ بِالتَّدْبِيرِ، فَكَانَ مَا فِي يَدِهِ لِسَيِّدِهِ، كَغَيْرِ الْمُكَاتَبِ. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّهُ مُكَاتَبٌ بَرِئَ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ، فَعَتَقَ بِذَلِكَ، وَكَانَ مَا فِي يَدِهِ لَهُ كَمَا لَوْ أَبْرَأَهُ سَيِّدُهُ. يُحَقِّقُهُ أَنَّ مِلْكَهُ كَانَ ثَابِتًا عَلَى مَا فِي يَدِهِ، وَلَمْ يَحْدُثْ مَا يُزِيلُهُ، وَإِنَّمَا الْحَادِثُ مُزِيلٌ لِمِلْكِ سَيِّدِهِ عَنْهُ، فَيَبْقَى مِلْكُهُ، كَمَا لَوْ عَتَقَ بِالْأَدَاءِ.

[فَصْلٌ قَالَ السَّيِّدُ لِمُكَاتَبِهِ مَتَى عَجَزْت بَعْدَ مَوْتِي فَأَنْتَ حُرٌّ]

(٨٧٨٦) فَصْلٌ: إذَا قَالَ السَّيِّدُ لِمُكَاتَبِهِ: مَتَى عَجَزْت بَعْدَ مَوْتِي، فَأَنْتَ حُرٌّ. فَهَذَا تَعْلِيقٌ لِلْحُرِّيَّةِ عَلَى صِفَةٍ تَحْدُثُ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيهِ اخْتِلَافًا فِيمَا مَضَى. فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَصِحُّ. فَلَا كَلَامَ، وَإِنَّ قُلْنَا: يَصِحُّ. فَمَتَى عَجَزَ بَعْدَ الْمَوْتِ، صَارَ حُرًّا بِالصِّفَةِ، فَإِنْ ادَّعَى الْعَجْزَ قَبْلَ حُلُولِ النَّجْمِ، لَمْ يَعْتِقْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ يَعْجِزُ عَنْهُ. وَإِنْ ادَّعَى ذَلِكَ بَعْدَ حُلُولِ نَجْمِهِ، وَمَعَهُ مَا يُؤَدِّيه، لَمْ يَصِحَّ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَاجِزٍ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ، فَصَدَّقَهُ الْوَرَثَةُ، عَتَقَ، وَإِنْ كَذَّبُوهُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمَالِ وَعَجَّزَهُ، فَإِذَا حَلَفَ عَتَقَ.

وَإِذَا عَتَقَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، كَانَ مَا فِي يَدِهِ لَهُ، إنْ لَمْ تَكُنْ كِتَابَتُهُ فُسِخَتْ؛

<<  <  ج: ص:  >  >>