الْبُيُوتِ، بِحَيْثُ إذَا قُسِّمَ لَمْ يُسْتَضْرَ بِالْقِسْمَةِ، وَأَمْكَنَ الِانْتِفَاعُ بِهِ حَمَّامًا، فَإِنَّ الشُّفْعَةَ تَجِبُ فِيهِ وَكَذَلِكَ الْبِئْرُ وَالدُّورُ وَالْعَضَائِدُ، مَتَى أَمْكَنَ أَنْ يَحْصُلَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئَانِ، كَالْبِئْرِ يَنْقَسِمُ بِئْرَيْنِ يَرْتَقِي الْمَاءُ مِنْهُمَا، وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ.
وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مَعَ الْبِئْرِ بَيَاضُ أَرْضٍ، بِحَيْثُ يَحْصُلُ الْبِئْرُ فِي أَحَدِ النَّصِيبَيْنِ، وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ تُمْكِنُ الْقِسْمَةُ. وَهَكَذَا الرَّحَى إنْ كَانَ لَهَا حِصْنٌ يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ، بِحَيْثُ يَحْصُلُ الْحَجَرَانِ فِي أَحَدِ الْقِسْمَيْنِ، أَوْ كَانَ فِيهَا أَرْبَعَةُ أَحْجَارٍ دَائِرَةٌ، يُمْكِنُ أَنْ يَنْفَرِدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِحَجَرَيْنِ، وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إلَّا أَنْ يَحْصُلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إبْقَائِهَا رَحَى، لَمْ تَجِبْ الشُّفْعَةُ.
فَأَمَّا الطَّرِيقُ، فَإِنَّ الدَّارَ إذَا بِيعَتْ وَلَهَا طَرِيقٌ فِي شَارِعٍ أَوْ دَرْبٍ نَافِذٍ، فَلَا شُفْعَةَ فِي تِلْكَ الدَّارِ وَلَا فِي الطَّرِيقِ؛ لِأَنَّهُ لَا شَرِكَةَ لَأَحَدٍ فِي ذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ الطَّرِيقُ فِي دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ، وَلَا طَرِيقَ لِلدَّارِ سِوَى تِلْكَ الطَّرِيقِ، فَلَا شُفْعَةَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ إثْبَاتَ ذَلِكَ يَضُرُّ بِالْمُشْتَرِي، لِأَنَّ الدَّارَ تَبْقَى لَا طَرِيقَ لَهَا.
وَإِنْ كَانَ لِلدَّارِ بَابٌ آخَرُ، يُسْتَطْرَقُ مِنْهُ، أَوْ كَانَ لَهَا مَوْضِعٌ يُفْتَحُ مِنْهُ بَابٌ لَهَا إلَى طَرِيقٍ نَافِذٍ، نَظَرْنَا فِي طَرِيقِ الْمَبِيعِ مِنْ الدَّارِ، فَإِنْ كَانَ مَمَرًّا لَا تُمْكِنُ قِسْمَتُهُ، فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ تُمْكِنُ قِسْمَتُهُ، وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ أَرْضٌ مُشْتَرَكَةٌ تَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فَوَجَبَتْ فِيهِ الشُّفْعَةُ، كَغَيْرِ الطَّرِيقِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا تَجِبَ الشُّفْعَةُ فِيهَا بِحَالٍ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ يَلْحَقُ الْمُشْتَرِيَ بِتَحْوِيلِ الطَّرِيقِ إلَى مَكَان آخَرَ، مَعَ مَا فِي الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ مِنْ تَفْرِيقِ صَفْقَةِ الْمُشْتَرِي، وَأَخْذِ بَعْضِ الْمَبِيعِ مِنْ الْعَقَارِ دُونَ بَعْضٍ، فَلَمْ يَجُزْ.
كَمَا لَوْ كَانَ الشَّرِيكُ فِي الطَّرِيقِ شَرِيكًا فِي الدَّارِ، فَأَرَادَ أَخْذَ الطَّرِيقِ وَحْدَهَا. وَالْقَوْلُ فِي دِهْلِيزِ الْجَارِ وَصَحْنِهِ، كَالْقَوْلِ فِي الطَّرِيقِ الْمَمْلُوكِ. وَإِنْ كَانَ نَصِيبُ الْمُشْتَرِي مِنْ الطَّرِيقِ أَكْثَرَ مِنْ حَاجَتِهِ، فَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّ الشُّفْعَةَ تَجِبُ فِي الزَّائِدِ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي، وَعَدَمِ الْمَانِعِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ فِي ثُبُوتِهَا تَبْعِيضَ صَفْقَةِ الْمُشْتَرِي، وَلَا يَخْلُو مِنْ الضَّرَرِ.
[فَصْلٌ مِنْ شُرُوط الشُّفْعَة أَنَّ يَكُونَ الشِّقْصُ مُنْتَقِلًا بِعِوَضِ]
(٤٠١٥) فَصْلٌ: الشَّرْطُ الرَّابِعُ، أَنْ يَكُونَ الشِّقْصُ مُنْتَقِلًا بِعِوَضٍ، وَأَمَّا الْمُنْتَقِلُ بِغَيْرِ عِوَضٍ، كَالْهِبَةِ بِغَيْرِ ثَوَابٍ، وَالصَّدَقَةِ، وَالْوَصِيَّةِ، وَالْإِرْثِ، فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ، فِي قَوْلِ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ مِنْهُمْ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.
وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ رِوَايَةٌ أُخْرَى فِي الْمُنْتَقِلِ بِهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ، أَنَّ فِيهِ الشُّفْعَةَ، وَيَأْخُذُهُ الشَّفِيعُ بِقِيمَتِهِ. وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ ثَبَتَتْ لِإِزَالَةِ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ، وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي الشَّرِكَةِ كَيْفَمَا كَانَ، وَالضَّرَرُ اللَّاحِقُ بِالْمُتَّهَبِ دُونَ ضَرَرِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ إقْدَامَ الْمُشْتَرِي عَلَى شِرَاءِ الشِّقْصِ، وَبَذْلَهُ مَالَهُ فِيهِ، دَلِيلُ حَاجَتِهِ إلَيْهِ، فَانْتِزَاعُهُ مِنْهُ أَعْظَمُ ضَرَرًا مِنْ أَخْذِهِ مِمَّنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ دَلِيلُ الْحَاجَةِ إلَيْهِ. وَلَنَا، أَنَّهُ انْتَقَلَ بِغَيْرِ عِوَضٍ، أَشْبَهَ الْمِيرَاثَ، وَلِأَنَّ مَحَلَّ الْوِفَاقِ هُوَ الْبَيْعُ، وَالْخَبَرُ وَرَدَ فِيهِ، وَلَيْسَ غَيْرُهُ فِي مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي بِمِثْلِ السَّبَبِ الَّذِي انْتَقَلَ بِهِ إلَيْهِ، وَلَا يُمْكِنُ هَذَا فِي غَيْرِهِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute