سَيِّدَهُ أَحَقُّ بِهِ بِالثَّمَنِ الَّذِي ابْتَاعَهُ بِهِ. وَفِيمَا إذَا كَانَ غَنِيمَةً، رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّهُ إذَا قُسِمَ، فَلَا حَقَّ لِسَيِّدِهِ فِيهِ بِحَالٍ. فَيُخَرَّجُ فِي الْمُشْتَرِي مِثْلُ ذَلِكَ.
وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ، فَإِنَّ سَيِّدَهُ إنْ أَخَذَهُ، فَهُوَ مُبْقًى عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ كِتَابَتِهِ، وَإِنْ تَرَكَهُ، فَهُوَ فِي يَدِ مُشْتَرِيه، مُبْقًى عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ كِتَابَتِهِ، فَيَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَوَلَاؤُهُ لِمَنْ يُؤَدِّي إلَيْهِ، كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ مِنْ سَيِّدِهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: لَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ مِلْكُ الْكُفَّارِ، وَيُرَدُّ إلَى سَيِّدِهِ بِكُلِّ حَالٍ. وَوَافَقَ أَبُو حَنِيفَةَ الشَّافِعِيَّ، فِي الْمُكَاتَبِ وَالْمُدَبَّرِ خَاصَّةً؛ لِأَنَّهُمَا عِنْدَهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُمَا، وَلَا نَقْلُ الْمِلْكِ فِيهِمَا، فَأَشْبَهَا أُمَّ الْوَلَدِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ مَا أَدْرَكَهُ صَاحِبُهُ مَقْسُومًا، لَا يَسْتَحِقُّ صَاحِبُهُ أَخْذَهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ، وَكَذَلِكَ مَا اشْتَرَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ، وَفِي أَنَّ الْمُكَاتَبَ وَالْمُدَبَّرَ يَجُوزُ بَيْعُهُمَا، بِمَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ هَاهُنَا. (٨٨٤٤)
فَصْلٌ: وَهَلْ يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ بِالْمُدَّةِ الَّتِي كَانَ فِيهَا مَعَ الْكُفَّارِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا، لَا يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ بِهَا؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ اقْتَضَتْ تَمْكِينَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ وَالْكَسْبِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ، فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ ذَلِكَ، لَمْ يُحْتَسَبْ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ حَبَسَهُ سَيِّدُهُ. فَعَلَى هَذَا، يَنْبَنِي عَلَى مَا مَضَى مِنْ الْمُدَّةِ قَبْلَ الْأَسْرِ، وَتَبْقَى مُدَّةُ الْأَسْرِ، كَأَنَّهَا لَمْ تُوجَدْ. وَالثَّانِي، يُحْتَسَبُ عَلَيْهِ بِهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ مُدَّةِ الْكِتَابَةِ؛ مَضَتْ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ مِنْ سَيِّدِهِ، فَاحْتُسِبَ عَلَيْهِ بِهَا، كَمَا لَوْ مَرِضَ، وَلِأَنَّهُ مَدِينٌ مَضَتْ مُدَّةٌ مِنْ أَجْلِ دَيْنِهِ فِي حَبْسِهِ، فَاحْتُسِبَ عَلَيْهِ بِهَا، كَسَائِرِ الْغُرَمَاءِ، وَفَارَقَ مَا إذَا حَبَسَهُ سَيِّدُهُ، بِمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَعَلَى هَذَا، إذَا حَلَّ عَلَيْهِ نَجْمٌ عِنْدَ اسْتِنْقَاذِهِ، جَازَتْ مُطَالَبَتُهُ.
وَإِنْ حَلَّ مَا يَجُوزُ تَعْجِيزُهُ بِتَرْكِ أَدَائِهِ، فَلِسَيِّدِهِ تَعْجِيزُهُ، وَرَدُّهُ إلَى الرِّقِّ. وَهَلْ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ أَوْ حُكْمِ الْحَاكِمِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْوُصُولُ إلَى الْمَالِ فِي وَقْتِهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا، يُحَقِّقُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ حَاضِرًا، وَالْمَالُ غَائِبًا، يَتَعَذَّرُ إحْضَارُهُ وَأَدَاؤُهُ فِي مُدَّةٍ قَرِيبَةٍ، لَكَانَ لِسَيِّدِهِ الْفَسْخُ، وَالْمَالُ هَاهُنَا إمَّا مَعْدُومٌ، وَإِمَّا غَائِبٌ يَتَعَذَّرُ أَدَاؤُهُ، وَفِي كِلْتَا الْحَالَتَيْنِ يَجُوزُ الْفَسْخُ. وَالثَّانِي، لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّهُ مَعَ الْغَيْبَةِ يُحْتَاجُ إلَى أَنْ يُبْحَثَ، أَلَهُ مَالٌ أَمْ لَا؟ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا كَانَ حَاضِرًا؛ فَإِنَّهُ يُطَالِبُهُ، فَإِنْ أَدَّى، وَإِلَّا فَقَدْ عَجَّزَ نَفْسَهُ. فَإِنْ فَسَخَ الْكِتَابَةَ بِنَفْسِهِ، أَوْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ، ثُمَّ خَلَصَ الْمُكَاتَبُ، فَادَّعَى أَنَّ لَهُ مَالًا فِي وَقْتِ الْفَسْخِ، يَفِي بِمَا عَلَيْهِ، وَأَقَامَ بِذَلِكَ بَيِّنَةً، بَطَلَ الْفَسْخُ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَبْطُلَ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُهُ أَدَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُتَعَذِّرَ الْأَدَاءِ، كَانَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ.
[فَصْلٌ حَبَسَ الْمَكَاتِب]
(٨٨٤٥) فَصْلٌ: وَإِنْ حَبَسَهُ سَيِّدُهُ مُدَّةً، فَقَدْ أَسَاءَ، وَلَا يَحْتَسِبُ عَلَيْهِ بِمُدَّتِهِ، فِي أَحَدِ الْوُجُوهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute