للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إعْتَاقُهُ وَصِيَّةً لِوَارِثٍ، فَيَبْطُلُ عِتْقُهُ، وَيَبْطُلُ مِيرَاثُهُ، لِبُطْلَانِ عِتْقِهِ، فَيُؤَدِّي تَوْرِيثُهُ إلَى إبْطَالِ تَوْرِيثِهِ، فَصَحَّحْنَا عِتْقَهُ وَلَمْ نُوَرِّثْهُ، لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى ذَلِكَ. وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ فِي هَذَا، كَمَذْهَبِهِمْ فِيمَا إذَا مَلَكَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ. وَلَنَا، عَلَى إعْتَاقِهِ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ، فَهُوَ حُرٌّ» . وَلِأَنَّهُ مِلْكٌ وُجِدَ مَعَهُ مَا يُنَافِيهِ، فَبَطَلَ، كَمِلْكِ النِّكَاحِ مَعَ مِلْكِ الرَّقَبَةِ، أَعْنِي فِيمَا إذَا اشْتَرَى أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ صَاحِبَهُ. وَإِذَا عَتَقَ وَرِثَ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ سَبَبُ الْمِيرَاثِ عَرِيًّا عَنْ الْمَوَانِعَ، فَوَرِثَ، كَمَا لَوْ وَرِثَهُ. وَقَوْلُهُمْ: إنَّ عِتْقَهُ وَصِيَّةٌ. لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ فِعْلُهُ، وَالْعِتْقُ هَاهُنَا يَحْصُلُ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِهِ، وَلَا إرَادَتِهِ، وَلِأَنَّ رَقَبَةَ الْمُعْتَقِ لَا تَحْصُلُ لَهُ، وَإِنَّمَا تَتْلَفُ مَالِيَّتُهُ وَتَزُولُ، فَيَصِيرُ ذَلِكَ كَتَلَفِهِ بِقَتْلِ بَعْضِ رَقِيقِهِ، أَوْ كَإِتْلَافِ بَعْضِ مَالِهِ فِي بِنَاءِ مَسْجِدٍ، مِثَالُ ذَلِكَ: مَرِيضٌ وُهِبَ لَهُ ابْنُهُ، فَقَبِلَهُ وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ، ثُمَّ مَاتَ الْمَرِيضُ، وَخَلَفَ ابْنًا آخَرِ وَمِائَتَيْنِ، فَإِنَّهُ يُعْتَقُ، وَيُقَاسِمُ أَخَاهُ الْمِائَتَيْنِ، فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ، فِيمَا حَكَى عَنْهُ غَيْرُ الْخَبْرِيِّ، يَعْتِقُ وَلَا يَرِثُ شَيْئًا. وَعِنْد صَاحِبَيْ أَبِي حَنِيفَةَ، يُعْتَقُ وَلَهُ نِصْفُ التَّرِكَةِ، فَيُحْتَسَبُ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ وَيَبْقَى لَهُ خَمْسُونَ. وَإِنْ كَانَ بَاقِي التَّرِكَةِ خَمْسِينَ، فَعِنْدَنَا يُعْتَقُ، وَلَهُ نِصْفُ الْخَمْسِينَ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، يُعْتَقُ نِصْفُهُ، وَيَسْعَى فِي بَاقِيهِ، وَالْخَمْسُونَ كُلُّهَا لِأَخِيهِ. وَقَالَ صَاحِبَاهُ: يُعْتَقُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ، فِي قَوْلِ غَيْرِ الْخَبْرِيِّ، يُعْتَقُ نِصْفُهُ، وَيُرَقُّ نِصْفُهُ، وَنِصْفُهُ الرَّقِيقُ وَالْخَمْسُونَ كُلُّهَا لِأَخِيهِ. وَإِنْ كَانَ بَاقِي التَّرِكَةِ ثَلَاثُمِائَةٍ، فَعِنْدَنَا يُعْتَقُ وَلَهُ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ، يُعْتَقُ وَلَا يَرِثُ شَيْئًا. وَعِنْد صَاحِبَيْ أَبِي حَنِيفَةَ، يُعْتَقُ وَلَهُ مِائَةٌ. فَإِنْ كَانَ اشْتَرَى ابْنَهُ بِمِائَةٍ، وَمَاتَ، وَخَلَّفَ ابْنًا آخَرَ وَمِائَةً أُخْرَى، فَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى، يُعْتَقُ وَيُقَاسِمُ أَخَاهُ الْمِائَةَ الْبَاقِيَةَ. وَعَلَى مَا حَكَاهُ الْقَاضِي، يُعْتَقُ مِنْهُ ثُلُثَاهُ، وَيَرِثُ أَرْبَعِينَ، وَيُعْتَقُ بَاقِيهِ عَلَى أَخِيهِ، وَلَا يَرِثُ بِذَلِكَ الْجُزْءِ شَيْئًا؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ حَصَلَ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُعْتَقُ ثُلُثَاهُ، وَلَا يَرِثُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَعْتِقُ ثُلُثَاهُ، وَيَسْعَى فِي بَاقِيهِ، وَلَا يَرِثُ. وَعِنْد صَاحِبَيْهِ، يُعْتَقُ كُلُّهُ، وَلَا يَرِثُ شَيْئًا، فَإِنْ كَانَ قَدْ تَصَدَّقَ قَبْلَ ذَلِكَ بِثُلُثِهِ، أَوْ حَابَى بِهِ، لَمْ يُعْتَقْ؛ لِأَنَّ الثُّلُثَ قَدْ ذَهَبَ.

[فَصْلٌ مَلَكَ مِنْ وَرَثَتِهِ مَنْ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ كَبَنِي عَمِّهِ فَأَعْتَقَهُمْ فِي مَرَضِهِ]

(٤٥٩٩) فَصْلٌ: وَإِنْ مَلَكَ مِنْ وَرَثَتِهِ مَنْ لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ، كَبَنِي عَمِّهِ، فَأَعْتَقَهُمْ فِي مَرَضِهِ، فَعِتْقُهُمْ وَصِيَّةٌ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِفِعْلِهِ وَاخْتِيَارِهِ، وَحُكْمُهُمْ فِي الْعِتْقِ حُكْمُ الْأَجَانِبِ، إنْ خَرَجُوا مِنْ الثُّلُثِ عَتَقُوا، وَإِلَّا عَتَقَ مِنْهُمْ بِقَدْرِ الثُّلُثِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَقُوا وَلَا يَرِثُوا؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ وَرِثُوا لَكَانَتْ وَصِيَّةً لِوَارِثٍ، فَيَبْطُلُ عِتْقُهُمْ، ثُمَّ يَبْطُلُ مِيرَاثُهُمْ. وَقَدْ قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ، فِي رَجُلٍ مَلَكَ ابْنَ عَمِّهِ، فَأَقَرَّ فِي مَرَضِهِ أَنَّهُ كَانَ أَعْتَقَهُ فِي صِحَّتِهِ: عَتَقَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>