للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَبِيعُ بِنَقْدِ الْبَلَدِ؛ لِأَنَّهُ أَوْفَرُ. فَإِنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ نُقُودٌ بَاعَ بِغَالِبِهَا، فَإِنْ تَسَاوَتْ بَاعَ بِجِنْسِ الدَّيْنِ، وَإِنْ زَادَ فِي السِّلْعَةِ زَائِدٌ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، أَلْزَمَ الْأَمِين الْفَسْخَ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ بَيْعُهُ بِثَمَنِ، فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ بِدُونِهِ، كَمَا لَوْ زِيدَ فِيهِ قَبْلَ الْعَقْدِ

وَإِنْ زَادَ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ، اُسْتُحِبَّ لِلْأَمِينِ سُؤَالُ الْمُشْتَرِي الْإِقَالَةَ، وَاسْتُحِبَّ لِلْمُشْتَرِي الْإِجَابَةُ إلَى ذَلِكَ؛ لِتَعْلِيقِهِ بِمَصْلَحَةِ الْمُفْلِسِ، وَقَضَاءِ دَيْنِهِ، فَيَبْدَأُ بِبَيْعِ الْعَبْدِ الْجَانِي، فَيَدْفَعُ إلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ ثَمَنِهِ أَوْ أَرْشِ جِنَايَتِهِ، وَمَا فَضَلَ مِنْهُ رَدَّهُ إلَى الْغُرَمَاءِ، ثُمَّ يَبِيعُ الرَّهْنَ، فَيَدْفَعُ إلَى الْمُرْتَهِنِ قَدْرَ دَيْنِهِ، وَمَا فَضَلَ مِنْ ثَمَنِهِ رَدَّهُ إلَى الْغُرَمَاءِ، وَإِنْ بَقِيَتْ مِنْ دَيْنِهِ بَقِيَّةٌ، ضَرَبَ بِهَا مَعَ الْغُرَمَاءِ، ثُمَّ يَبِيعُ مَا يُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ مِنْ الطَّعَامِ الرَّطْبِ؛ لِأَنَّ بَقَاءَهُ يُتْلِفُهُ بِيَقِينٍ، ثُمَّ يَبِيعُ الْحَيَوَانَ، لِأَنَّهُ مُعَرَّضٌ لِلتَّلَفِ، وَيَحْتَاجُ إلَى مُؤْنَةٍ فِي بَقَائِهِ، ثُمَّ يَبِيعُ السِّلَعَ وَالْأَثَاثَ، لِأَنَّهُ يُخَافُ عَلَيْهِ، وَتَنَالُهُ الْأَيْدِي، ثُمَّ الْعَقَارَ آخِرًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُخَافُ تَلَفُهُ، وَبَقَاؤُهُ أَشْهَرُ لَهُ وَأَكْثَرُ لِطُلَّابِهِ

وَمَتَى بَاعَ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ، وَكَانَ الدَّيْنُ لَوَاحِدٍ وَحْدَهُ، دَفَعَهُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى تَأْخِيرِهِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ غُرَمَاءُ، فَأَمْكَنَ قِسْمَتُهُ عَلَيْهِمْ، قَسَمَ وَلَمْ يُؤَخِّرْ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ قِسْمَتُهُ، أُودِعَ عِنْدَ ثِقَةٍ، إلَى أَنْ يَجْتَمِعَ، وَيُمْكِنَ قِسْمَتُهُ فَيُقْسَمُ. وَإِنْ احْتَاجَ فِي حِفْظِهِ إلَى غَرَامَةٍ، دَفَعَ ذَلِكَ إلَى مَنْ يَحْفَظُهُ. إذَا ثَبَتَ هَذَا عُدْنَا إلَى مَسْأَلَةٌ الْكِتَابِ، فَنَقُولُ: لَا تُبَاعُ دَارُهُ الَّتِي لَا غِنَى لَهُ عَنْ سُكْنَاهَا

وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَإِسْحَاقُ. وَقَالَ شُرَيْحٌ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: تُبَاعُ، وَيَكْتَرِي لَهُ بَدَلَهَا. وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ فِي الَّذِي أُصِيبَ فِي ثِمَارٍ ابْتَاعَهَا، فَكَثُرَ دَيْنُهُ، فَقَالَ لِغُرَمَائِهِ «خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ» .

وَهَذَا مِمَّا وَجَدُوهُ، وَلِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِ الْمُفْلِسِ فَوَجَبَ صَرْفُهُ فِي دَيْنِهِ، كَسَائِرِ مَالِهِ

وَلَنَا، أَنَّ هَذَا مِمَّا لَا غِنَى لِلْمُفْلِسِ عَنْهُ، فَلَمْ يُصْرَفْ فِي دَيْنِهِ، كَثِيَابِهِ وَقُوتِهِ، وَالْحَدِيثُ قَضِيَّةٌ فِي عَيْنٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَقَارٌ، وَلَا خَادِمٌ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ:

(خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ) مِمَّا تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْمَذْكُورَ قَبْلَ ذَلِكَ، كَذَلِكَ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «تَصَدَّقُوا عَلَيْهِ. فَتَصَدَّقُوا عَلَيْهِ، فَلَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ وَفَاءَ دَيْنِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ» .

أَيْ مِمَّا تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَتَصَدَّقْ عَلَيْهِ بِدَارٍ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى سُكْنَاهَا وَلَا خَادِمٍ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى خِدْمَتِهِ، وَلِأَنَّ الْحَدِيثَ مَخْصُوصٌ بِثِيَابِ الْمُفْلِسِ وَقُوتِهِ، فَنَقِيسُ عَلَيْهِ مَحِلَّ النِّزَاعِ، وَقِيَاسُهُمْ مُنْتَقِضٌ بِذَلِكَ أَيْضًا، وَبِأَجْرِ الْمَسْكَنِ، وَسَائِرِ مَالِهِ يُسْتَغْنَى عَنْهُ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا.

[فَصْلٌ كَانَ لِلْمُفْلِسِ دَارَانِ يَسْتَغْنِي بِسَكَنِيِّ إحْدَاهُمَا]

(٣٤٥٦) فَصْلٌ: وَإِنْ كَانَ لَهُ دَارَانِ يَسْتَغْنِي بِسُكْنَى إحْدَاهُمَا، بِيعَتْ الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ بِهِ غِنًى عَنْ سُكْنَاهَا. وَإِنْ كَانَ مَسْكَنُهُ وَاسِعًا، لَا يَسْكُنُ مِثْلُهُ فِي مِثْلِهِ، بِيعَ، وَاشْتُرِيَ لَهُ مَسْكَنُ مِثْلِهِ، وَرُدَّ الْفَضْلُ عَلَى الْغُرَمَاءِ، كَالثِّيَابِ الَّتِي لَهُ إذَا كَانَتْ رَفِيعَةً لَا يُلْبَسُ مِثْلُهُ مِثْلَهَا.

وَلَوْ كَانَ الْمَسْكَنُ وَالْخَادِمُ اللَّذَيْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>