[فَصْل لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ مَا عَدَا الرِّدَّةَ مِنْ الْكَلَامِ]
(٢٤٦) فَصْلٌ: وَلَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ مَا عَدَا الرِّدَّةَ مِنْ الْكَلَامِ مِنْ الْكَذِبِ، وَالْغِيبَةِ، وَالرَّفَثِ وَالْقَذْفِ وَغَيْرِهَا. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ مَنْ نَحْفَظُ قَوْلَهُ مِنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى أَنَّ الْقَذْفَ، وَقَوْلَ الزُّورِ، وَالْكَذِبَ، وَالْغِيبَةَ لَا تُوجِبُ طَهَارَةً، وَلَا تَنْقُضُ وُضُوءًا، وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الْأَوَائِلِ أَنَّهُمْ أَمَرُوا بِالْوُضُوءِ مِنْ الْكَلَامِ الْخَبِيثِ، وَذَلِكَ اسْتِحْبَابٌ عِنْدَنَا مِمَّنْ أَمَرَ بِهِ، وَلَا نَعْلَمُ حُجَّةً تُوجِبُ وُضُوءًا فِي شَيْءٍ مِنْ الْكَلَامِ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ حَلَفَ بِاَللَّاتِي وَالْعُزَّى فَلْيَقُلْ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» . وَلَمْ يَأْمُرْ فِي ذَلِكَ بِوُضُوءِ.
[فَصْل لَيْسَ فِي الْقَهْقَهَةِ وُضُوءٌ]
فَصْلٌ: وَلَيْسَ فِي الْقَهْقَهَةِ وُضُوءٌ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُرْوَةَ وَعَطَاءٍ وَالزُّهْرِيِّ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَإِسْحَاقَ وَابْنِ الْمُنْذِرِ، وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ: يَجِبُ الْوُضُوءُ مِنْ الْقَهْقَهَةِ دَاخِلَ الصَّلَاةِ دُونَ خَارِجِهَا. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ وَالنَّخَعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ؛ لِمَا رَوَى أَبُو الْعَالِيَةِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي، فَجَاءَ ضَرِيرٌ فَتَرَدَّى فِي بِئْرٍ فَضَحِكَ طَوَائِفُ فَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِينَ ضَحِكُوا أَنْ يُعِيدُوا الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ» .
وَرُوِيَ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ أَبِي الْعَالِيَةِ بِأَسَانِيدَ ضِعَافٍ، وَحَاصِلُهُ يَرْجِعُ إلَى أَبِي الْعَالِيَةِ، كَذَلِكَ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالدَّارَقُطْنِيّ. وَلَنَا: أَنَّهُ مَعْنًى لَا يُبْطِلُ الْوُضُوءَ خَارِجَ الصَّلَاةِ فَلَمْ يُبْطِلْهُ دَاخِلَهَا كَالْكَلَامِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِحَدَثٍ وَلَا يُفْضِي إلَيْهِ. فَأَشْبَهَ سَائِرَ مَا لَا يُبْطِلُ؛ وَلِأَنَّ الْوُجُوبَ مِنْ الشَّارِعِ، وَلَمْ يُنَصَّ عَنْ الشَّارِعِ فِي هَذَا إيجَابُ الْوُضُوءِ، وَلَا فِي شَيْءٍ يُقَاسُ هَذَا عَلَيْهِ، وَمَا رَوَوْهُ مُرْسَلٌ لَا يَثْبُتُ.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: لَا تَأْخُذُوا بِمَرَاسِيلِ الْحَسَنِ وَأَبِي الْعَالِيَةِ فَإِنَّهُمَا لَا يُبَالِيَانِ عَمَّنْ أَخَذَا. وَالْمُخَالِفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَرُدُّ الْأَخْبَارَ الصَّحِيحَةَ لِمُخَالَفَتِهَا الْأُصُولَ، فَكَيْفَ يُخَالِفُهَا هَاهُنَا بِهَذَا الْخَبَرِ الضَّعِيفِ عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ.
[مَسْأَلَة مَسُّ الْفَرْجِ]
(٢٤٨) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: وَمَسُّ الْفَرْجِ. الْفَرْجُ اسْمٌ لِمَخْرَجِ الْحَدَثِ، وَيَتَنَاوَلُ الذَّكَرَ وَالدُّبُرَ وَقُبُلَ الْمَرْأَةِ، وَفِي نَقْضِ الْوُضُوءِ بِجَمِيعِ ذَلِكَ خِلَافٌ فِي الْمَذْهَبِ وَغَيْرِهِ؛ فَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ مُفَصَّلًا: وَنَبْدَأُ بِالْكَلَامِ فِي مَسِّ الذَّكَرِ، فَإِنَّهُ آكَدُهَا. فَعَنْ أَحْمَدَ فِيهِ رِوَايَتَانِ: إحْدَاهُمَا، يَنْقُضُ الْوُضُوءَ.
وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ عُمَرَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٍ وَأَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute