للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مَسْأَلَةٌ يقاتل كُلُّ قَوْمٍ مَنْ يَلِيهِمْ مِنْ الْعَدُوِّ]

(٧٤٢٢) : (وَيُقَاتِلُ كُلُّ قَوْمٍ مَنْ يَلِيهِمْ مِنْ الْعَدُوِّ) . الْأَصْلُ فِي هَذَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ} [التوبة: ١٢٣] وَلِأَنَّ الْأَقْرَبَ أَكْثَرُ ضَرَرًا، وَفِي قِتَالِهِ دَفْعُ ضَرَرِهِ عَنْ الْمُقَابِلِ لَهُ، وَعَمَّنْ وَرَاءَهُ، وَالِاشْتِغَالُ بِالْبَعِيدِ عَنْهُ، يُمَكِّنُهُ مِنْ انْتِهَازِ الْفُرْصَةِ فِي الْمُسْلِمِينَ؛ لِاشْتِغَالِهِمْ عَنْهُ. قِيلَ لِأَحْمَدْ: يَحْكُونَ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: تَرَكْت قِتَالَ الْعَدُوِّ عِنْدَك، وَجِئْت إلَى هَاهُنَا؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ أَهْلُ الْكِتَابِ.

فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: سُبْحَانَ اللَّهِ، مَا أَدْرِي مَا هَذَا الْقَوْلُ، يَتْرُكُ الْعَدُوَّ عِنْدَهُ، وَيَجِيءُ إلَى هَاهُنَا، أَفَيَكُونُ هَذَا، أَوَيَسْتَقِيمُ هَذَا، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ} [التوبة: ١٢٣] لَوْ أَنَّ أَهْلَ خُرَاسَانَ كُلَّهُمْ عَمِلُوا عَلَى هَذَا، لَمْ يُجَاهِدْ التُّرْكَ أَحَدٌ. وَهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إنَّمَا فَعَلَهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ لِكَوْنِهِ مُتَبَرِّعًا بِالْجِهَادِ، وَالْكِفَايَةُ حَاصِلَةٌ بِغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ وَأَجْنَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْمُتَبَرِّعُ لَهُ تَرْكُ الْجِهَادِ بِالْكُلِّيَّةِ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يُجَاهِدَ حَيْثُ شَاءَ، وَمَعَ مَنْ شَاءَ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ فِي الْبِدَايَةِ بِالْأَبْعَدِ؛ لِكَوْنِهِ أَخْوَفَ، أَوْ لِمَصْلَحَةٍ فِي الْبِدَايَةِ بِهِ لِقُرْبِهِ وَإِمْكَانِ الْفُرْصَةِ مِنْهُ، أَوْ لِكَوْنِ الْأَقْرَبِ مُهَادِنًا، أَوْ يَمْنَعُ مِنْ قِتَالِهِ مَانِعٌ، فَلَا بَأْسَ بِالْبِدَايَةِ بِالْأَبْعَدِ، لِكَوْنِهِ مَوْضِعَ حَاجَةٍ.

[فَصْلٌ وَأَمْرُ الْجِهَادِ مَوْكُولٌ إلَى الْإِمَامِ وَاجْتِهَادِهِ]

(٧٤٢٣) وَأَمْرُ الْجِهَادِ مَوْكُولٌ إلَى الْإِمَامِ وَاجْتِهَادِهِ، وَيَلْزَمُ الرَّعِيَّةَ طَاعَتُهُ فِيمَا يَرَاهُ مِنْ ذَلِكَ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَبْتَدِئَ بِتَرْتِيبِ قَوْمٍ فِي أَطْرَافِ الْبِلَادِ يَكُفُّونَ مَنْ بِإِزَائِهِمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، وَيَأْمُرَ بِعَمَلِ حُصُونِهِمْ، وَحَفْرِ خَنَادِقِهِمْ، وَجَمِيعِ مَصَالِحِهِمْ، وَيُؤَمِّرَ فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ أَمِيرًا، يُقَلِّدُهُ أَمْرَ الْحُرُوبِ، وَتَدْبِيرَ الْجِهَادِ، وَيَكُونُ مِمَّنْ لَهُ رَأْيٌ وَعَقْلٌ وَنَجْدَةٌ وَبَصَرٌ بِالْحَرْبِ وَمُكَايَدَةِ الْعَدُوِّ، وَيَكُونُ فِيهِ أَمَانَةٌ وَرِفْقٌ وَنُصْحٌ لِلْمُسْلِمِينَ؛ وَإِنَّمَا يَبْدَأُ بِذَلِكَ، لِأَنَّهُ لَا يَأْمَنْ عَلَيْهَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ.

وَيَغْزُو كُلَّ قَوْمٍ مَنْ يَلِيهِمْ، إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي بَعْضِ الْجِهَاتِ مَنْ لَا يَفِي بِهِ مَنْ يَلِيهِ، فَيَنْقُلَ إلَيْهِمْ قَوْمًا مِنْ آخَرِينَ. وَيَتَقَدَّمَ إلَى مَنْ يُؤَمِّرُهُ أَنْ لَا يَحْمِلَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَهْلَكَةٍ، وَلَا يَأْمُرُهُمْ بِدُخُولِ مَطْمُورَةٍ يُخَافُ أَنْ يُقْتَلُوا تَحْتَهَا، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ، فَقَدْ أَسَاءَ، وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى، وَلَيْسَ عَلَيْهِ عَقْلٌ وَلَا كَفَّارَةٌ إذَا أُصِيبَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِطَاعَتِهِ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ بِاخْتِيَارِهِ وَمَعْرِفَتِهِ. فَإِنْ عُدِمَ الْإِمَامُ، لَمْ يُؤَخَّرْ الْجِهَادُ؛ لِأَنَّ مَصْلَحَتَهُ تَفُوتُ بِتَأْخِيرِهِ. وَإِنْ حَصَلَتْ غَنِيمَةٌ، قَسَمَهَا أَهْلُهَا عَلَى مُوجَبِ الشَّرْعِ. قَالَ الْقَاضِي: وَيُؤَخَّرُ قِسْمَةُ الْإِمَاءِ حَتَّى يَظْهَرَ إمَامٌ احْتِيَاطًا لِلْفُرُوجِ.

فَإِنْ بَعَثَ الْإِمَامُ جَيْشًا، وَأَمَّرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>