إلَى مَالٍ. أَوْ قَالَ: عَفَوْت عَنْ الْجِنَايَةِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا. قَالَ: بَلْ عَفَوْت عَنْهَا دُونَ مَا يَحْدُثُ مِنْهَا. فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوْ وَلِيِّهِ إنْ كَانَ الْخِلَافُ مَعَهُ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعَفْوِ عَنْ الْجَمِيعِ، وَقَدْ ثَبَتَ الْعَفْوُ عَنْ الْبَعْضِ بِإِقْرَارِهِ، فَيَكُونُ الْقَوْلُ فِي عَدَمِ سُقُوطِهِ قَوْلَهُ. .
[مَسْأَلَةٌ اشْتَرَكَ الْجَمَاعَة فِي الْقَتْلِ فَأُحِبّ الْأَوْلِيَاء أَنْ يَقْتُلُوا الْجَمِيعَ]
(٦٧٦١) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِذَا اشْتَرَكَ الْجَمَاعَةُ فِي الْقَتْلِ، فَأَحَبَّ الْأَوْلِيَاءُ أَنْ يَقْتُلُوا الْجَمِيعَ، فَلَهُمْ ذَلِكَ، وَإِنْ أَحَبُّوا أَنْ يَقْتُلُوا الْبَعْضَ، وَيَعْفُوا عَنْ الْبَعْضِ، وَيَأْخُذُوا الدِّيَةَ مِنْ الْبَاقِينَ، فَلَهُمْ ذَلِكَ) أَمَّا قَتْلُهُمْ لِلْجَمِيعِ، فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِيمَا مَضَى، وَأَمَّا إنْ أَحَبُّوا قَتْلَ الْبَعْضِ فَلَهُمْ ذَلِكَ، لِأَنَّ كُلَّ مَنْ لَهُمْ قَتْلُهُ فَلَهُمْ الْعَفْوُ عَنْهُ، كَالْمُنْفَرِدِ، وَلَا يَسْقُطُ الْقِصَاصُ عَنْ الْبَعْضِ بِعَفْوِ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّهُمَا شَخْصَانِ، فَلَا يَسْقُطُ الْقِصَاصُ عَنْ أَحَدِهِمَا بِإِسْقَاطِهِ عَنْ الْآخَرِ، كَمَا لَوْ قَتَلَ كُلُّ وَاحِدٍ رَجُلًا.
وَأَمَّا إذَا اخْتَارُوا أَخْذَ الدِّيَةِ مِنْ الْقَاتِلِ، أَوْ مِنْ بَعْضِ الْقَتَلَةِ، فَإِنَّ لَهُمْ هَذَا مِنْ غَيْرِ رِضَى الْجَانِي. وَبِهَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَعَطَاءٌ، وَمُجَاهِدٌ وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ. وَقَالَ النَّخَعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ: لَيْسَ لِلْأَوْلِيَاءِ إلَّا الْقَتْلُ، إلَّا أَنْ يَصْطَلِحَا عَلَى الدِّيَةِ بِرِضَى الْجَانِي. وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةٌ أُخْرَى، كَقَوْلِنَا، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ} [البقرة: ١٧٨] . وَالْمَكْتُوبُ لَا يَتَخَيَّر فِيهِ، وَلِأَنَّهُ مُتْلَفٌ يَجِبُ بِهِ الْبَدَلُ، فَكَانَ بَدَلُهُ مُعَيَّنًا، كَسَائِرِ أَبْدَالِ الْمُتْلَفَاتِ.
وَلَنَا، قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: ١٧٨] . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ الْقِصَاصُ، وَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ الدِّيَةُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةُ: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: ١٧٨] . الْآيَة، {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: ١٧٨] . فَالْعَفْوُ أَنْ تُقْبَلَ فِي الْعَمْدِ الدِّيَةُ {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: ١٧٨] يَتْبَعُ الطَّالِبُ بِالْمَعْرُوفِ، وَيُؤَدِّي إلَيْهِ الْمَطْلُوبُ {بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة: ١٧٨] . مِمَّا كَتَبَ عَلَى مَنْ قَبْلَكُمْ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute