يَثْبُتْ النَّسَبُ، إذَا أَقَرَّ بِمُشَارِكٍ فِي الْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ إقْرَارًا مِنْ بَعْضِ الْوَرَثَةِ، فَإِنْ قَالُوا: إنَّمَا ثَبَتَ؛ لِأَنَّ الْمُقَرَّ بِهِ أَيْضًا مُقِرٌّ بِنَفْسِهِ مُدَّعٍ لِنَسَبِهِ. قُلْنَا: هَاهُنَا مِثْلُهُ، فَاسْتَوَيَا.
[فَصْلٌ خَلَف ابْنًا وَاحِدًا فَأَقَرَّ بِأَخٍ مِنْ أَبِيهِ]
(٤٩٣٢) فَصْلٌ: إذَا خَلَّفَ ابْنًا وَاحِدًا، فَأَقَرَّ بِأَخٍ مِنْ أَبِيهِ، دَفَعَ إلَيْهِ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ. فِي قَوْلِ الْجَمِيعِ. فَإِنْ أَقَرَّ بَعْدُ بِآخَرَ، فَاتَّفَقَا عَلَيْهِ، دَفَعَا إلَيْهِ ثُلُثَ مَا فِي أَيْدِيهِمَا. فِي قَوْلِ الْجَمِيعِ. فَإِنْ أَنْكَرَ الْمُقَرُّ بِهِ ثَانِيًا الْمُقَرَّ بِهِ الْأَوَّلَ، لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ. قَالَ الْقَاضِي: هَذَا مَثَلٌ لِلْعَامَّةِ، تَقُولُ: أَدْخِلْنِي أُخْرِجْك.
وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ مَا فِي أَيْدِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ لَهُ بِأَكْثَرَ مِنْهُ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَلْزَمُ الْمُقِرَّ أَنْ يَغْرَمَ لَهُ نِصْفَ التَّرِكَةِ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفْهُ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ الْأَوَّلِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَبْطُلَ نَسَبُ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِقَوْلِ مَنْ هُوَ كُلُّ الْوَرَثَةِ حَالَ الْإِقْرَارِ. فَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْ الْأَوَّلُ بِالثَّانِي، لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ، وَيَدْفَعُ إلَيْهِ الْمُقِرُّ ثُلُثَ مَا بَقِيَ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ الْفَضْلُ الَّذِي فِي يَدِهِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَلْزَمَهُ دَفْعُ ثُلُثِ جَمِيعِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ عَلَيْهِ بِدَفْعِ النِّصْفِ إلَى الْأَوَّلِ، وَهُوَ يُقِرُّ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا الثُّلُثَ
وَسَوَاءٌ دَفَعَهُ إلَيْهِ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ، أَوْ بِغَيْرِ حُكْمِهِ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ عِلَّةُ حُكْمِ الْحَاكِمِ. وَسَوَاءٌ عَلِمَ بِالْحَالِ عِنْدَ إقْرَارِهِ الْأَوَّلِ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ، لِأَنَّ الْعَمْدَ وَالْخَطَأَ وَاحِدٌ فِي ضَمَانِ مَا يُتْلَفُ. وَحَكَى نَحْوُ هَذَا عَنْ شَرِيكٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ إنْ عَلِمَ بِالثَّانِي حِينَ أَقَرَّ بِالْأَوَّلِ، وَعَلِمَ أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِهِ بَعْدَ الْأَوَّلِ لَا يُقْبَلُ، ضَمِنَ؛ لِتَفْوِيتِهِ حَقَّ غَيْرِهِ بِتَفْرِيطِهِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ، لَمْ يَضْمَنْ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِقْرَارُ بِالْأَوَّلِ إذَا عَلِمَهُ، وَلَا يَحُوجُهُ إلَى حَاكِمٍ، وَمَنْ فَعَلَ الْوَاجِبَ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَلَيْسَ بِخَائِنٍ، فَلَا يَضْمَنُ. وَقِيلَ: هَذَا قِيَاسُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ كَانَ الدَّفْعُ بِحُكْمِ حَاكِمٍ، دَفَعَ إلَى الثَّانِي نِصْفَ مَا بَقِيَ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ كَالْأَخْذِ مِنْهُ كَرْهًا، وَإِنْ دَفَعَهُ بِغَيْرِ حَاكِمٍ، دَفَعَ إلَى الثَّانِي ثُلُثَ جَمِيعِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَ إلَى الْأَوَّلِ مَا لَيْسَ لَهُ تَبَرُّعًا. وَلَنَا عَلَى الْأَوَّلِ، أَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِقْرَارُ بِهِ، فَلَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ بِهِ كَمَا لَوْ قَطَعَ الْإِمَامُ يَدَ السَّارِقِ، فَسَرَى إلَى نَفْسِهِ. وَإِنْ أَقَرَّ بَعْدَهُمَا بِثَالِثٍ، فَصَدَّقَاهُ، ثَبَتَ نَسَبُهُ، وَأَخَذَ رُبُعَ مَا فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، إذَا كَانَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثُ الْمَالِ، وَإِنْ كَذَّبَاهُ، لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ
وَأَخَذَ رُبُعَ مَا فِي يَدِ الْمُقَرِّ بِهِ، وَفِي ضَمَانِهِ لَهُ مَا زَادَ التَّفْصِيلُ فِي الَّتِي قَبْلَهَا. وَعَلَى مِثْلِ قَوْلِنَا قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ، وَبَعْضُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ.
[فَصْلٌ مَعْرِفَة الْفَضْل فِي الْمِيرَاث]
(٤٩٣٣) فَصْلٌ: وَمَتَى أَرَدْت مَعْرِفَةَ الْفَضْلِ، فَاضْرِبْ مَسْأَلَةَ الْإِقْرَارِ فِي مَسْأَلَةِ الْإِنْكَارِ، ثُمَّ تَضْرِبُ مَا لِلْمُقِرِّ مِنْ مَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ فِي مَسْأَلَةِ الْإِنْكَارِ، إذَا كَانَتَا مُتَبَايِنَتَيْنِ، وَتَضْرِبُ مَا لِلْمُنْكِرِ فِي مَسْأَلَةِ الْإِنْكَارِ فِي مَسْأَلَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute