أَبُو قَتَادَةُ، فَإِنَّ خَصْمَهُ أَقَرَّ لَهُ، فَاكْتَفَى بِإِقْرَارِهِ. قَالَ أَحْمَدُ: وَلَا يُقْبَلُ إلَّا شَاهِدَانِ. وَقَالَ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ: يُقْبَلُ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ؛ لِأَنَّهَا دَعْوَى فِي الْمَالِ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقْبَلَ شَاهِدٌ بِغَيْرِ يَمِينٍ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبِلَ قَوْلَ الَّذِي شَهِدَ لِأَبِي قَتَادَةَ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ. وَوَجْهُ الْأَوَّلِ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْتَبَرَ الْبَيِّنَةَ، وَإِطْلَاقُهَا يَنْصَرِفُ إلَى شَاهِدَيْنِ، وَلِأَنَّهَا دَعْوَى لِلْقَتْلِ، فَاعْتُبِرَ شَاهِدَانِ، كَقَتْلِ الْعَمْدِ.
[فَصْل سَلَبُ الْقَتْلَى وَتَرْكُهُمْ عُرَاةً]
(٧٤٧٧) فَصْل وَيَجُوزُ سَلْبُ الْقَتْلَى وَتَرْكُهُمْ عُرَاةً. وَهَذَا قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ. وَكَرِهَهُ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، لِمَا فِيهِ مِنْ كَشْفِ عَوْرَاتِهِمْ. وَلَنَا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَتِيلِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ: «لَهُ سَلَبُهُ أَجْمَعُ. وَقَالَ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا، فَلَهُ سَلَبُهُ» . وَهَذَا يَتَنَاوَلُ جَمِيعَهُ.
[مَسْأَلَة أَمَانُ الرَّجُل وَالْمَرْأَة]
(٧٤٧٨) مَسْأَلَة قَالَ: (وَمَنْ أَعْطَاهُمْ الْأَمَانَ مِنَّا؛ مِنْ رَجُلٍ، أَوْ امْرَأَةٍ، أَوْ عَبْدٍ، جَازَ أَمَانُهُ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْأَمَانَ إذَا أُعْطِيَ أَهْلَ الْحَرْبِ، حَرُمَ قَتْلُهُمْ وَمَالُهُمْ وَالتَّعَرُّضُ لَهُمْ. وَيَصِحُّ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ مُخْتَارٍ، ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا. وَبِهَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَابْنُ الْقَاسِمِ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ.
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو يُوسُفَ: لَا يَصِحُّ أَمَانُ الْعَبْدِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ مَأْذُونًا لَهُ فِي الْقِتَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْجِهَادُ، فَلَا يَصِحُّ أَمَانُهُ، كَالصَّبِيِّ، وَلِأَنَّهُ مَجْلُوبٌ مِنْ دَارِ الْكُفْرِ، فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ يَنْظُرَ لَهُمْ فِي تَقْدِيمِ مَصْلَحَتِهِمْ. وَلَنَا، مَا رُوِيَ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، أَنَّهُ قَالَ: «ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ، يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ، فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَرَوَى فُضَيْلٍ بْنُ يَزِيدَ الرَّقَاشِيُّ، قَالَ: جَهَّزَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ جَيْشًا، فَكُنْت فِيهِ، فَحَصَرْنَا مَوْضِعًا، فَرَأَيْنَا أَنَّا سَنَفْتَحُهَا الْيَوْمَ، وَجَعَلْنَا نُقْبِلُ وَنَرُوحُ، فَبَقِيَ عَبْدٌ مِنَّا، فَرَاطَنَهُمْ وَرَاطَنُوهُ، فَكَتَبَ لَهُمْ الْأَمَانَ فِي صَحِيفَةٍ، وَشَدَّهَا عَلَى سَهْمٍ، وَرَمَى بِهَا إلَيْهِمْ، فَأَخَذُوهَا، وَخَرَجُوا، فَكُتِبَ بِذَلِكَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، ذِمَّتُهُ ذِمَّتُهُمْ. رَوَاهُ سَعِيدٌ.
وَلِأَنَّهُ مُسْلِمٌ مُكَلَّفٌ، فَصَحَّ أَمَانُهُ، كَالْحُرِّ. وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ التُّهْمَةِ يَبْطُلُ بِمَا إذَا أُذِنَ لَهُ الْقِتَالِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَمَانُهُ، وَبِالْمَرْأَةِ، فَإِنَّ أَمَانَهَا يَصِحُّ، فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا. قَالَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute