[مَسْأَلَةٌ الْمَيِّت يَغْسِل بِمَاءِ وَسِدْر]
(١٥٠٦) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَيَكُونُ فِي كُلِّ الْمِيَاهِ شَيْءٌ مِنْ السِّدْرِ، وَيَضْرِبُ السِّدْرَ فَيَغْسِلُ بِرَغْوَتِهِ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ) . هَذَا الْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ قَالَ صَالِحٌ: قَالَ أَبِي: الْمَيِّتُ يُغَسَّلُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، ثَلَاثَ غَسَلَاتٍ، قُلْت: فَيَبْقَى عَلَيْهِ؟ قَالَ: أَيُّ شَيْءٍ يَكُونُ هُوَ أَنْقَى لَهُ. وَذُكِرَ عَنْ عَطَاءٍ، أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ قَالَ لَهُ: إنَّهُ يَبْقَى عَلَيْهِ السِّدْرُ إذَا غُسِّلَ بِهِ كُلَّ مَرَّةٍ. فَقَالَ عَطَاءٌ: هُوَ طَهُورٌ.
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد عَنْ أَحْمَدَ، قَالَ: قُلْت، يَعْنِي لِأَحْمَدَ: أَفَلَا تَصُبُّونَ مَاءً قَرَاحًا يُنَظِّفُهُ؟ قَالَ: إنْ صَبُّوا فَلَا بَأْسَ. وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِحَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ «، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ تُوُفِّيَتْ ابْنَتُهُ قَالَ: اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا، أَوْ خَمْسًا، أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، إنْ رَأَيْتُنَّ، بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَاجْعَلْنَ فِي الْآخِرَةِ كَافُورًا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي حَدِيثِ أُمِّ سُلَيْمٍ: «ثُمَّ اغْسِلِيهَا بَعْدَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ.» وَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ، إلَى أَنَّهُ لَا يَتْرُكُ مَعَ الْمَاءِ سِدْرًا يُغَيِّرُهُ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا، فَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يُطْرَحُ فِي كُلِّ الْمِيَاهِ شَيْءٌ يَسِيرٌ مِنْ السِّدْرِ لَا يُغَيِّرُهُ لِيَجْمَعَ بَيْنَ الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ، وَيَكُونَ الْمَاءُ بَاقِيًا عَلَى طَهُورِيَّته.
وَقَالَ الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ: يُغَسَّلُ أَوَّلَ مَرَّةٍ بِالسِّدْرِ، ثُمَّ يُغَسَّلُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْمَاءِ الْقَرَاحِ، فَيَكُونُ الْجَمِيعُ غَسْلَةً وَاحِدَةً، وَيَكُونُ الِاعْتِدَادُ بِالْآخِرِ دُونَ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ أَحْمَدَ، - رَحِمَهُ اللَّهُ -، شَبَّهَ غُسْلَهُ بِغُسْلِ الْجَنَابَةِ، وَلِأَنَّ السِّدْرَ إنْ غَيَّرَ الْمَاءَ سَلَبَهُ وَصْفَ الطَّهُورِيَّة، وَإِنْ لَمْ يُغَيِّرْهُ فَلَا فَائِدَةَ فِي تَرْكِ يَسِيرٍ لَا يُؤَثِّرُ. وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ الْأَوَّلُ. وَيَكُونُ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ دَالًّا عَلَى أَنَّ تَغَيُّرَ الْمَاءِ بِالسِّدْرِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ طَهُورِيَّته.
قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يَتَّخِذُ الْغَاسِلُ ثَلَاثَةَ أَوَانٍ؛ آنِيَةً كَبِيرَةً يَجْمَعُ فِيهَا الْمَاءَ الَّذِي يُغَسِّلُ بِهِ الْمَيِّتَ يَكُونُ بِالْبُعْدِ مِنْهُ، وَإِنَاءَيْنِ صَغِيرَيْنِ يَطْرَحُ مِنْ أَحَدِهِمَا عَلَى الْمَيِّتِ، وَالثَّالِثَ يَغْرِفُ بِهِ مِنْ الْكَبِيرِ فِي الصَّغِيرِ الَّذِي يُغَسِّلُ بِهِ الْمَيِّتَ، لِيَكُونَ الْكَبِيرُ مَصُونًا، فَإِذَا فَسَدَ الْمَاءُ الَّذِي فِي الصَّغِيرِ، وَطَارَ فِيهِ مِنْ رَشَّاش الْمَاءِ، كَانَ مَا بَقِيَ فِي الْكَبِيرِ كَافِيًا، وَيَضْرِبُ السِّدْرَ، فَيَغْسِلُ بِرَغْوَتِهِ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ، وَيُبْلِغُهُ سَائِرَ بَدَنِهِ، كَمَا يَفْعَلُ الْحَيُّ إذَا اغْتَسَلَ.
(١٥٠٧) فَصْلٌ: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ السِّدْرَ غَسَّلَهُ بِمَا يَقُومُ مَقَامَهُ، وَيَقْرُبُ مِنْهُ، كَالْخَطْمِيِّ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ مِنْهُ، وَإِنْ غَسَّلَهُ بِذَلِكَ مَعَ وُجُودِ السِّدْرِ جَازَ، لِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِهَذَا لِمَعْنًى مَعْقُولٍ، وَهُوَ التَّنْظِيفُ، فَيَتَعَدَّى إلَى كُلِّ مَا وُجِدَ فِيهِ الْمَعْنَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute