للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْقَتْلِ، ثَبَتَ الْحُكْمُ لِسَيِّدِهِ، وَلَهُ أَنْ يَقْتَصَّ فِيمَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ.

وَإِنْ عَفَا عَلَى مَالٍ، أَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ مُوجِبَةً لِلْمَالِ ابْتِدَاءً، فَهَلْ يَثْبُتُ لِلسَّيِّدِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا، يَثْبُتُ. وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَى غَيْرِهِ، فَأَشْبَهَتْ الْجِنَايَةَ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ. وَالثَّانِي، لَا يَثْبُتُ لَهُ مَالُهُ فِي عَبْدِهِ، وَلَا لَهُ الْعَفْوُ عَلَيْهِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ ثَبَتَ لِلسَّيِّدِ ابْتِدَاءً، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَيْهِ. وَأَصْلُ الْوَجْهَيْنِ، وُجُوبُ الْحَقِّ فِي ابْتِدَائِهِ هَلْ يَثْبُتُ لِلْقَتِيلِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى وَارِثِهِ، أَوْ يَثْبُتُ لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً؟ عَلَى وَجْهَيْنِ

وَكُلُّ مَوْضِعٍ يَثْبُتُ لَهُ الْمَالُ فِي رَقَبَةِ عَبْدِهِ، فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ لِلْمَوْرُوثِ كَذَلِكَ، فَيَنْتَقِلُ إلَى وَارِثِهِ كَذَلِكَ، وَإِنْ اقْتَصَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ بَدَلُ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ إذَا قُدِّمَ الْمَالُ عَلَى حَقِّ الْمُرْتَهِنِ، فَالْقِصَاصُ أَوْلَى، وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ يَثْبُتُ لِلْمَوْرُوثِ مُقَدَّمًا عَلَى حَقِّ الْمُرْتَهِنِ، فَكَذَلِكَ فِي حَقِّ وَارِثِهِ.

[فَصْلٌ جنى الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ عَلَى مُكَاتَبِ السَّيِّدِ]

(٣٣٥٠) فَصْلٌ: وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى مُكَاتَبِ السَّيِّدِ، فَهِيَ كَالْجِنَايَةِ عَلَى وَلَدِهِ، وَتَعْجِيزُهُ كَمَوْتِ وَلَدِهِ، فِيمَا ذَكَرْنَا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ جنى الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ]

(٣٣٥١) فَصْلٌ: فَإِنْ جَنَى الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، وَكَانَ مِمَّنْ يَعْلَمُ تَحْرِيمَ الْجِنَايَةِ، وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَبُولُ ذَلِكَ مِنْ سَيِّدِهِ، فَهِيَ كَالْجِنَايَةِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَإِنْ كَانَ أَعْجَمِيًّا، أَوْ صَبِيًّا لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ، فَالسَّيِّدُ هُوَ الْقَاتِلُ، وَالْقِصَاصُ وَالدِّيَةُ مُتَعَلِّقَانِ بِهِ، لَا يُبَاعُ الْعَبْدُ فِيهَا، مُوسِرًا كَانَ السَّيِّدُ أَوْ مُعَسِّرًا كَمَا لَوْ بَاشَرَ السَّيِّدُ الْقَتْلَ.

وَذَكَرَ الْقَاضِي وَجْهًا آخَرَ، أَنَّ الْعَبْدَ يُبَاعُ إذَا كَانَ السَّيِّدُ مُعَسِّرًا؛ لِأَنَّهُ بَاشَرَ الْجِنَايَةَ. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ آلَةٌ، فَلَوْ تَعَلَّقَتْ الْجِنَايَةُ بِهِ بِيعَ فِيهَا وَإِنْ كَانَ السَّيِّدُ مُوسِرًا، وَحُكْمُ إقْرَارِ الْعَبْدِ بِالْجِنَايَةِ، حُكْمُ إقْرَارِ الْعَبْدِ غَيْرِ الْمَرْهُونِ، عَلَى مَا مَضَى بَيَانُهُ فِي مَوْضِعِهِ.

[مَسْأَلَةٌ جُرِحَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ أَوْ قُتِلَ]

(٣٣٥٢) مَسْأَلَةٌ قَالَ: وَإِنْ جُرِحَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ، أَوْ قُتِلَ، فَالْخَصْمُ فِي ذَلِكَ سَيِّدُهُ، وَمَا قَبَضَ بِسَبَبِ ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ رَهْنٌ وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ إذَا جُنِيَ عَلَى الرَّهْنِ، فَالْخَصْمُ فِي ذَلِكَ سَيِّدُهُ؛ لِأَنَّهُ مَالِكُهُ، وَالْأَرْشُ الْوَاجِبُ بِالْجِنَايَةِ مِلْكُهُ، وَإِنَّمَا لِلْمُرْتَهِنِ فِيهِ حَقُّ الْوَثِيقَةِ، فَصَارَ كَالْعَبْدِ الْمُسْتَأْجَرِ وَالْمُودَعِ، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ. فَإِنْ تَرَكَ الْمُطَالَبَةَ، أَوْ أَخَّرَهَا، أَوْ كَانَ غَائِبًا، أَوْ لَهُ عُذْرٌ يَمْنَعُهُ مِنْهَا، فَلِلْمُرْتَهِنِ الْمُطَالَبَةُ بِهَا؛ لِأَنَّ حَقَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِمُوجِبِهَا، فَكَانَ لَهُ الطَّلَبُ بِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ الْجَانِي سَيِّدُهُ.

ثُمَّ إنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ مُوجِبَةً لِلْقِصَاصِ، فَلِلسَّيِّدِ الْقِصَاصُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِيُسْتَوْفَى، فَإِنْ اقْتَصَّ، أُخِذَتْ مِنْهُ قِيمَةُ أَقَلِّهِمَا قِيمَةً، فَجُعِلَتْ مَكَانَهُ رَهْنًا. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ وَهَذَا قَوْلُ إِسْحَاقَ وَيَتَخَرَّجُ أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>