للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَهُمَا. وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ، وَقَدْ تَعَذَّرَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، فَيُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، كَالْمَرْأَتَيْنِ إذَا زُفَّتَا فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ. وَاسْتَحْسَنَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَنْ يَسْمَعَ مِنْهُمَا جَمِيعًا. وَقِيلَ: يُرْجَأُ أَمْرُهُمَا حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْمُدَّعِي مِنْهُمَا.

وَمَا ذَكَرْنَاهُ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحُكْمِ فِي الْقَضِيَّتَيْنِ مَعًا، وَإِرْجَاءُ أَمْرِهِمَا إضْرَارٌ بِهِمَا، وَفِيمَا ذَكَرْنَا دَفْعٌ الضَّرَرِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، وَلَهُ نَظِيرٌ فِي مَوَاضِعَ مِنْ الشَّرْعِ، فَكَانَ أَوْلَى.

[فَصْلٌ سَمَاع الْحَاكِمُ الدَّعْوَى مُحَرَّرَةً]

(٨٢٧٦) فَصْلٌ: وَلَا يَسْمَعُ الْحَاكِمُ الدَّعْوَى إلَّا مُحَرَّرَةً، إلَّا فِي الْوَصِيَّةِ وَالْإِقْرَارِ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ يَسْأَلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَمَّا ادَّعَاهُ، فَإِنْ اعْتَرَفَ بِهِ لَزِمَهُ، وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ تَلْزَمَهُ مَجْهُولَةً وَيُفَارِقُ الْإِقْرَارَ؛ فَإِنَّ الْحَقَّ عَلَيْهِ، فَلَا يَسْقُطُ بِتَرْكِهِ إثْبَاتَهُ، وَإِنَّمَا صَحَّتْ الدَّعْوَى فِي الْوَصِيَّةِ مَجْهُولَةً؛ لِأَنَّهَا تَصِحُّ مَجْهُولَةً؛ فَإِنَّهُ لَوْ وَصَّى لَهُ بِشَيْءٍ أَوْ سَهْمٍ صَحَّ، فَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَدَّعِيَهَا إلَّا مَجْهُولَةً كَمَا ثَبَتَ، وَكَذَلِكَ الْإِقْرَارُ، لَمَّا صَحَّ أَنْ يُقِرَّ بِمَجْهُولٍ، صَحَّ لِخَصْمِهِ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِمَجْهُولٍ.

إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى أَثْمَانًا، فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ؛ الْجِنْسُ، وَالنَّوْعُ، وَالْقَدْرُ، فَيَقُولَ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ بَصْرِيَّةً. وَإِنْ اخْتَلَفَتْ بِالصِّحَاحِ وَالْمُكَسَّرَةِ، قَالَ: صِحَاحٌ. أَوْ قَالَ: مُكَسَّرَةٌ.

وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى فِي غَيْرِ الْأَثْمَانِ، وَكَانَتْ عَيْنًا تَنْضَبِطُ بِالصِّفَاتِ، كَالْحُبُوبِ وَالثِّيَابِ وَالْحَيَوَانِ، احْتَاجَ أَنْ يَذْكُرَ الصِّفَاتِ الَّتِي تُشْتَرَطُ فِي السِّلْمِ، وَإِنْ ذَكَرَ الْقِيمَةَ كَانَ آكَدَ، إلَّا أَنَّ الصِّفَةَ تُغْنِي فِيهِ كَمَا تُغْنِي فِي الْعَقْدِ.

وَإِنْ كَانَتْ جَوَاهِرَ وَنَحْوَهَا مِمَّا لَا يَنْضَبِطُ بِالصِّفَةِ، فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَنْضَبِطُ إلَّا بِهَا. وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى تَالِفًا، وَهُوَ مِمَّا لَهُ مِثْلٌ، كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ، ادَّعَى مِثْلَهُ، وَضَبَطَهُ بِصِفَتِهِ. وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا مِثْلَ لَهُ، كَالنَّبَاتِ وَالْحَيَوَانِ، ادَّعَى قِيمَتَهُ؛ لِأَنَّهَا تَجِبُ بِتَلَفِهِ.

وَإِنْ كَانَ التَّالِفُ شَيْئًا مُحَلًّى بِفِضَّةٍ أَوْ بِذَهَبٍ، قَوَّمَهُ بِغَيْرِ جِنْسِ حِلْيَتِهِ، وَإِنْ كَانَ مُحَلًّى بِذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، قَوَّمَهُ بِمَا شَاءَ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ حَاجَةٍ. وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَقَارًا، فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ مَوْضِعِهِ وَحُدُودِهِ، فَيَدَّعِي أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ بِحُدُودِهَا وَحُقُوقِهَا لِي، وَأَنَّهَا فِي يَدِهِ ظُلْمًا، وَأَنَا أُطَالِبُهُ بِرَدِّهَا عَلَيَّ. وَإِنْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ لِي، وَأَنَّهُ يَمْنَعُنِي مِنْهَا، صَحَّتْ الدَّعْوَى وَإِنْ لَمْ يَقُلْ إنَّهَا فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُنَازِعَهُ وَيَمْنَعَهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِي يَدِهِ.

وَإِنْ ادَّعَى جِرَاحَةً لَهَا أَرْشٌ مَعْلُومٌ، كَالْمُوضِحَةِ مِنْ الْحُرِّ، جَازَ أَنْ يَدَّعِيَ الْجِرَاحَةَ وَلَا يَذْكُرَ أَرْشَهَا؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ. وَإِنْ كَانَتْ مِنْ عَبْدٍ، أَوْ كَانَتْ مِنْ حُرٍّ لَا مُقَدَّرَ فِيهَا، فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ أَرْشِهَا. وَإِنْ ادَّعَى عَلَى أَبِيهِ دَيْنًا، لَمْ تُسْمَعْ الدَّعْوَى حَتَّى يَدَّعِيَ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ، وَتَرَكَ فِي يَدِهِ مَالًا؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَا يَلْزَمُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>