لِأَنَّهُ مِمَّنْ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ. وَإِذَا صَلَّى خَلْفَ مَنْ عَلِمَ رِدَّتَهُ، فَقَالَ بَعْدَ الصَّلَاةِ: قَدْ كُنْتُ أَسْلَمْتُ. قُبِلَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ مِمَّنْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ. فَصْلٌ: قَالَ أَصْحَابُنَا: يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِالصَّلَاةِ، سَوَاءٌ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَسَوَاءٌ صَلَّى جَمَاعَةً أَوْ فُرَادَى، فَإِنْ أَقَامَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى الْإِسْلَامِ فَلَا كَلَامَ، وَإِنْ لَمْ يُقِمْ عَلَيْهِ فَهُوَ مُرْتَدٌّ، يَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُرْتَدِّينَ. وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ ظُهُورِ مَا يُنَافِي الْإِسْلَامَ فَهُوَ مُسْلِمٌ يَرِثُهُ وَرَثَتُهُ الْمُسْلِمُونَ دُونَ الْكَافِرِينَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ صَلَّى جَمَاعَةً أَوْ مُنْفَرِدًا فِي الْمَسْجِدِ، كَقَوْلِنَا، وَإِنْ صَلَّى فُرَادَى فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ، لَمْ يُحْكَمْ بِإِسْلَامِهِ.
وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِحَالٍ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ مِنْ فُرُوعِ الْإِسْلَامِ، فَلَمْ يَصِرْ مُسْلِمًا بِفِعْلِهَا، كَالْحَجِّ وَالصِّيَامِ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، إلَّا بِحَقِّهَا.» وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنْ صَلَّى فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَلَيْسَ بِمُسْلِمٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَقْصِدُ الِاسْتِتَارَ بِالصَّلَاةِ، وَإِخْفَاءَ دِينِهِ، وَإِنْ صَلَّى فِي دَارِ الْحَرْبِ فَهُوَ مُسْلِمٌ؛ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ فِي حَقِّهِ. وَلَنَا قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «نُهِيتُ عَنْ قَتْلِ الْمُصَلِّينَ» . وَقَالَ: «بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلَاةُ.» فَجَعَلَ الصَّلَاةَ حَدًّا بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْكُفْرِ، فَمَنْ صَلَّى فَقَدْ دَخَلَ فِي حَدِّ الْإِسْلَامِ، وَقَالَ فِي الْمَمْلُوكِ: «فَإِذَا صَلَّى فَهُوَ أَخُوكَ» .
وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ تَخْتَصُّ بِالْمُسْلِمِينَ، فَالْإِتْيَانُ بِهَا إسْلَامٌ كَالشَّهَادَتَيْنِ، وَأَمَّا الْحَجُّ فَإِنَّ الْكُفَّارَ كَانُوا يَفْعَلُونَهُ، وَالصِّيَامُ إمْسَاكٌ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ، وَقَدْ يَفْعَلُهُ مَنْ لَيْسَ بِصَائِمٍ. (١١٤٤) فَصْلٌ: فَأَمَّا صَلَاتُهُ فِي نَفْسِهِ، فَأَمْرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ أَسْلَمَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَصَلَّى بِنِيَّةٍ صَحِيحَةٍ، فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، لِأَنَّ الْوُضُوءَ لَا يَصِحُّ مِنْ كَافِرٍ، وَإِذَا لَمْ يُسْلِمْ قَبْلَ الصَّلَاةِ، كَانَ حَالَ شُرُوعِهِ فِيهَا غَيْرَ مُسْلِمٍ، وَلَا مُتَطَهِّرٍ، فَلَمْ يَصِحَّ مِنْهُ.
[مَسْأَلَةٌ صَلَاةُ الْمَرْأَةِ بِالنِّسَاءِ]
(١١٤٥) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِنْ صَلَّتْ امْرَأَةٌ بِالنِّسَاءِ قَامَتْ مَعَهُنَّ فِي الصَّفِّ وَسَطًا) . اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ، هَلْ يُسْتَحَبُّ أَنْ تُصَلِّي الْمَرْأَةُ بِالنِّسَاءِ جَمَاعَةً؟ فَرُوِيَ أَنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ، وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَؤُمُّ النِّسَاءَ عَائِشَةُ، وَأُمُّ سَلَمَةَ، وَعَطَاءٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ. وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ، - رَحِمَهُ اللَّهُ -، أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ وَكَرِهَهُ أَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَإِنْ فَعَلَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute