للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَنَا، عُمُومُ قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: ٩٢] . وَلِأَنَّهُ آدَمِيٌّ مُؤْمِنٌ مَقْتُولٌ خَطَأً، فَوَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ عَلَى قَاتِلِهِ، كَمَا لَوْ قَتَلَهُ غَيْرُهُ. وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ، إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَإِنَّ «عَامِرَ بْنَ الْأَكْوَعِ، قَتَلَ نَفْسَهُ خَطَأً، وَلَمْ يَأْمُرْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ بِكَفَّارَةٍ» . وقَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً} [النساء: ٩٢] إنَّمَا أُرِيدَ بِهَا إذَا قَتَلَ غَيْرَهُ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: ٩٢] . وَقَاتِلُ نَفْسِهِ لَا تَجِبُ فِيهِ دِيَةٌ؛ بِدَلِيلِ قَتْلِ عَامِرِ بْنِ الْأَكْوَعِ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ شَارِكْ فِي قَتْلٍ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ]

(٧٠٥٢) فَصْلٌ: وَمَنْ شَارَكَ فِي قَتْلٍ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ، لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ، وَيَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ شُرَكَائِهِ كَفَّارَةٌ. هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْهُمْ الْحَسَنُ، وَعِكْرِمَةُ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالْحَارِثُ الْعُكْلِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَحَكَى أَبُو الْخَطَّابِ، عَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةً أُخْرَى، أَنَّ عَلَى الْجَمِيعِ كَفَّارَةً وَاحِدَةً. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ.

وَحُكِيَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ، وَحَكَاهُ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ، وَأَنْكَرَهُ سَائِرُ أَصْحَابِهِ. وَاحْتَجَّ لِمَنْ أَوْجَبَ كَفَّارَةً وَاحِدَةً بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: ٩٢] . وَ {مِنْ} [النساء: ٩٢] يَتَنَاوَلُ الْوَاحِدَ وَالْجَمَاعَةَ، وَلَمْ يُوجِبْ إلَّا كَفَّارَةً وَاحِدَةً، وَدِيَةً، وَالدِّيَةُ لَا تَتَعَدَّدُ، فَكَذَلِكَ الْكَفَّارَةُ؛ وَلِأَنَّهَا كَفَّارَةُ قَتْلٍ، فَلَمْ تَتَعَدَّدْ بِتَعَدُّدِ الْقَاتِلِينَ مَعَ اتِّحَادِ الْمَقْتُولِ، كَكَفَّارَةِ الصَّيْدِ الْحَرَمِيِّ. وَلَنَا، أَنَّهَا لَا تَتَبَعَّضُ، وَهِيَ مِنْ مُوجَبِ قَتْلِ الْآدَمِيِّ، فَكَمَلَتْ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُشْتَرِكِينَ، كَالْقِصَاصِ. وَتُخَالِفُ كَفَّارَةَ الصَّيْدِ؛ فَإِنَّهَا تَجِبُ بَدَلًا، وَلِهَذَا تَجِبُ فِي أَبْعَاضِهِ، وَكَذَلِكَ الدِّيَةُ.

[فَصْل ضَرَبَ بَطْن امْرَأَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا]

(٧٠٥٣) فَصْلٌ: إذَا ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَةٍ، فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا، فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَعَطَاءٌ، وَالزُّهْرِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالْحَكَمُ، وَحَمَّادٌ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تَجِبُ. وَقَدْ مَضَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي دِيَةِ الْجَنِينِ.

[فَصْلٌ لَا كَفَّارَةَ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ]

(٧٠٥٤) فَصْلٌ: وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ. وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَمَالِكٌ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَعَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةٌ أُخْرَى، تَجِبُ فِيهِ الْكَفَّارَةُ. وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ الزُّهْرِيِّ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ؛ لِمَا رَوَى وَاثِلَةُ بْنُ الْأَسْقَعِ، قَالَ: «أَتَيْنَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصَاحِبٍ لَنَا، قَدْ

<<  <  ج: ص:  >  >>