وَلَنَا، أَنَّ الْأَصْلَ حِلُّ الصَّيْدِ، فَحَرَّمَ صَيْدُ الْحَرَمِ بِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا» . وَبِالْإِجْمَاعِ، فَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ، وَلِأَنَّهُ صَيْدُ حِلٍّ صَادَهُ حَلَالٌ، فَلَمْ يُحَرَّمْ، كَمَا لَوْ كَانَا فِي الْحِلِّ، وَلِأَنَّ الْجَزَاءَ إنَّمَا يَجِبُ فِي صَيْدِ الْحَرَمِ، أَوْ صَيْدِ الْمُحْرِمِ، وَلَيْسَ هَذَا بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا.
(٢٤٠٧) فَصْلٌ: فَإِنْ كَانَ الصَّيْدُ وَالصَّائِدُ فِي الْحِلِّ، فَرَمَى الصَّيْدَ بِسَهْمِهِ، أَوْ أَرْسَلَ عَلَيْهِ كَلْبَهُ، فَدَخَلَ الْحَرَمَ، ثُمَّ خَرَجَ فَقَتَلَ الصَّيْدَ فِي الْحِلِّ، فَلَا جَزَاءَ فِيهِ. وَبِهَا قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَحَكَى أَبُو ثَوْرٍ عَنْ الشَّافِعِيِّ، أَنَّ عَلَيْهِ الْجَزَاءَ.
وَلَنَا، مَا ذَكَرْنَاهُ. قَالَ الْقَاضِي: لَا يَزِيدُ سَهْمُهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَوْ عَدَا بِنَفْسِهِ، فَسَلَكَ الْحَرَمَ فِي طَرِيقِهِ، ثُمَّ قَتَلَ صَيْدًا فِي الْحِلِّ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ، فَسَهْمُهُ أَوْلَى.
[فَصْل رَمَى مِنْ الْحِلِّ صَيْدًا فِي الْحِلِّ فَقَتَلَ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ]
(٢٤٠٨) فَصْلٌ: وَإِنْ رَمَى مِنْ الْحِلِّ صَيْدًا فِي الْحِلِّ، فَقَتَلَ صَيْدًا فِي الْحَرَمِ، فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ. وَبِهَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.
وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: لَا جَزَاءَ عَلَيْهِ. وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ صَيْدًا حَرَمِيًّا، فَلَزِمَهُ جَزَاؤُهُ، كَمَا لَوْ رَمَى حَجَرًا فِي الْحَرَمِ فَقَتَلَ صَيْدًا، يُحَقِّقُهُ أَنَّ الْخَطَأَ كَالْعَمْدِ فِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ، وَهَذَا لَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ وَاحِدًا مِنْهُمَا. فَأَمَّا إنْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ، فَدَخَلَ الْكَلْبُ الْحَرَمَ، فَقَتَلَ صَيْدًا آخَرَ، لَمْ يَضْمَنْهُ.
وَهَذَا قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلْ الْكَلْبَ عَلَى ذَلِكَ الصَّيْدِ، وَإِنَّمَا دَخَلَ بِاخْتِيَارِ نَفْسِهِ، فَهُوَ كَمَا لَوْ اسْتَرْسَلَ بِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ إرْسَالٍ. وَإِنْ أَرْسَلَهُ عَلَى صَيْدٍ، فَدَخَلَ الصَّيْدُ الْحَرَمَ، وَدَخَلَ الْكَلْبُ خَلْفَهُ، فَقَتَلَهُ فِي الْحَرَمِ، فَكَذَلِكَ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ.
وَقَالَ عَطَاءٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَصَاحِبَاهُ: عَلَيْهِ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ صَيْدًا حَرَمِيًّا، بِإِرْسَالِ كَلْبِهِ عَلَيْهِ، فَضَمِنَهُ، كَمَا لَوْ قَتَلَهُ بِسَهْمِهِ. وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ. وَحَكَى صَالِحٌ، عَنْ أَحْمَدَ، أَنَّهُ قَالَ: إنْ كَانَ الصَّيْدُ قَرِيبًا مِنْ الْحَرَمِ، ضَمِنَهُ؛ لِأَنَّهُ فَرَّطَ بِإِرْسَالِهِ فِي مَوْضِعٍ يَظْهَرُ أَنَّهُ يَدْخُلُ الْحَرَمَ، وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا، لَمْ يَضْمَنْ؛ لِعَدَمِ التَّفْرِيطِ.
وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ. وَلَنَا، أَنَّهُ أَرْسَلَ الْكَلْبَ عَلَى صَيْدٍ مُبَاحٍ، فَلَمْ يَضْمَنْ. كَمَا لَوْ قَتَلَ صَيْدًا سِوَاهُ، وَفَارَقَ السَّهْمَ؛ لِأَنَّ الْكَلْبَ لَهُ قَصْدٌ وَاخْتِيَارٌ، وَلِهَذَا يَسْتَرْسِلُ بِنَفْسِهِ، وَيُرْسِلُهُ إلَى جِهَةٍ فَيَمْضِي إلَى غَيْرِهَا، وَالسَّهْمُ بِخِلَافِهِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا فَإِنَّهُ لَا يَأْكُلُ الصَّيْدَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ كُلِّهَا، ضَمِنَهُ أَوْ لَمْ يَضْمَنْهُ؛ لِأَنَّهُ صَيْدٌ حَرَمِيٌّ، قُتِلَ فِي الْحَرَمِ، فَحُرِّمَ، كَمَا لَوْ ضَمِنَهُ، وَلِأَنَّنَا إذَا قَطَعْنَا فِعْلَ الْآدَمِيِّ، صَارَ كَأَنَّ الْكَلْبَ اسْتَرْسَلَ بِنَفْسِهِ، فَقَتَلَهُ.
وَلَكِنْ لَوْ رَمَى الْحَلَالُ مِنْ الْحِلِّ صَيْدًا فِي الْحِلِّ، فَجَرَحَهُ، وَتَحَامَلَ الصَّيْدُ فَدَخَلَ الْحَرَمَ، فَمَاتَ فِيهِ، حَلَّ أَكْلُهُ، وَلَا جَزَاءَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الذَّكَاةَ حَصَلَتْ فِي الْحِلِّ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ جَرَحَ صَيْدًا، ثُمَّ أَحْرَمَ، فَمَاتَ