كَذَا يَقُولُ مُحَمَّدٌ وَالْحَسَنُ، وَقَالَ الْقَاضِي: إذَا أَرَادَا الْمُفَاصَلَةَ، قَوَّمَا الْمَتَاعَ بِنَقْدِ الْبَلَدِ، وَقَوَّمَا مَالَ الْآخَرِ بِهِ، وَيَكُونُ التَّقْوِيمُ حِينَ صَرَفَا الثَّمَنَ فِيهِ. وَلَنَا أَنَّ هَذِهِ شَرِكَةٌ صَحِيحَةٌ، رَأْسُ الْمَالِ فِيهَا الْأَثْمَانُ، فَيَكُونُ الرُّجُوعُ بِجِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ، كَمَا لَوْ كَانَ الْجِنْسُ وَاحِدًا.
(٣٦٣٣) فَصْلٌ: وَلَا يُشْتَرَطُ تَسَاوِي الْمَالَيْنِ فِي الْقَدْرِ. وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: يُشْتَرَطُ ذَلِكَ. وَلَنَا، أَنَّهُمَا مَالَانِ مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ، فَجَازَ عَقْدُ الشَّرِكَةِ عَلَيْهِمَا، كَمَا لَوْ تَسَاوَيَا.
(٣٦٣٤) فَصْلٌ: وَلَا يُشْتَرَطُ اخْتِلَاطُ الْمَالَيْنِ، إذَا عَيَّنَاهُمَا وَأَحْضَرَاهُمَا. وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ، إلَّا أَنَّ مَالِكًا شَرَطَ أَنْ تَكُونَ أَيْدِيهِمَا عَلَيْهِ، بِأَنْ يَجْعَلَاهُ فِي حَانُوتٍ لَهُمَا، أَوْ فِي يَدِ وَكِيلِهِمَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَصِحُّ حَتَّى يَخْلِطَا الْمَالَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا إذَا لَمْ يَخْلِطَاهُمَا فَمَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَتْلَفُ مِنْهُ دُونَ صَاحِبِهِ، أَوْ يَزِيدُ لَهُ دُونَ صَاحِبِهِ، فَلَمْ تَنْعَقِد الشَّرِكَةُ، كَمَا لَوْ كَانَ مِنْ الْمَكِيلِ. وَلَنَا، أَنَّهُ عَقْدٌ يُقْصَدُ بِهِ الرِّبْحُ، فَلَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ خَلْطُ الْمَالِ، كَالْمُضَارَبَةِ، وَلِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى التَّصَرُّفِ، فَلَمْ يَكُنْ مِنْ شَرْطِهِ الْخَلْطُ كَالْوَكَالَةِ. وَعَلَى مَالِكٍ، فَلَمْ يَكُنْ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ تَكُونَ أَيْدِيهِمَا عَلَيْهِ، كَالْوَكَالَةِ.
وَقَوْلُهُمْ: إنَّهُ يَتْلَفُ مِنْ مَالِ صَاحِبِهِ، أَوْ يَزِيدُ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ. مَمْنُوعٌ، بَلْ مَا يَتْلَفُ مِنْ مَالِهِمَا وَزِيَادَتُهُ لَهُمَا؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ اقْتَضَتْ ثُبُوتَ الْمِلْكِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي نِصْفِ مَالِ صَاحِبِهِ، فَيَكُونُ تَلَفُهُ مِنْهُمَا، وَزِيَادَتُهُ لَهُمَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَتَى تَلِفَ أَحَدُ الْمَالَيْنِ، فَهُوَ مِنْ ضَمَانِ صَاحِبِهِ. وَلَنَا، أَنَّ الْوَضِيعَةَ وَالضَّمَانَ أَحَدُ مُوجِبِي الشَّرِكَةِ، فَتَعَلَّقَ بِالشَّرِيكَيْنِ، كَالرِّبْحِ، وَكَمَا لَوْ اخْتَلَطَا.
[فَصْل فِي الشَّرِكَةِ الْفَاسِدَةِ]
فَصْلٌ: وَمَتَى وَقَعَتْ الشَّرِكَةُ فَاسِدَةً، فَإِنَّهُمَا يَقْتَسِمَانِ الرِّبْحَ عَلَى قَدْرِ رُءُوسِ أَمْوَالِهِمَا، وَيَرْجِعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ بِأَجْرِ عَمَلِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي الْمُضَارَبَةِ. وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي. وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الْمُسَمَّى يَسْقُطُ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ، كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ إذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، إلَّا أَنْ يَكُونَ مَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَمَيِّزًا وَرِبْحُهُ مَعْلُومًا، فَيَكُونَ لَهُ رِبْحُ مَالِهِ. وَلَوْ رَبِحَ فِي جُزْءٍ مِنْهُ رِبْحًا مُتَمَيِّزًا وَبَاقِيهِ مُخْتَلِطٌ، كَانَ لَهُ مَا تَمَيَّزَ مِنْ رِبْحِ مَالِهِ، وَلَهُ بِحِصَّتِهِ بَاقِي مَالِهِ مِنْ الرِّبْحِ.
وَاخْتَارَ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ أَنَّهُمَا يَقْتَسِمَانِ الرِّبْحَ عَلَى مَا شَرَطَاهُ، وَلَا يَسْتَحِقُّ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ أَجْرَ عَمَلِهِ. وَأَجْرَاهَا مَجْرَى الصَّحِيحَةِ فِي جَمِيعِ أَحْكَامِهَا. قَالَ: لِأَنَّ أَحْمَدَ قَالَ: إذَا اشْتَرَكَا فِي الْعُرُوضِ، قُسِّمَ الرِّبْحُ عَلَى مَا اشْتَرَطَاهُ. وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute