للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ بَعْضُ وَرَثَتِهِ: أَكَلَهُ مُسْتَحِلًّا لَهُ. أَوْ أَقَرَّ بِرِدَّتِهِ، حُرِمَ مِيرَاثَهُ؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ بِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهُ، وَيُدْفَعُ إلَى مُدَّعِي إسْلَامِهِ قَدْرُ مِيرَاثِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدَّعِي أَكْثَرَ مِنْهُ، وَيُدْفَعُ الْبَاقِي إلَى بَيْتِ الْمَالِ؛ لِعَدَمِ مَنْ يَسْتَحِقُّهُ، فَإِنْ كَانَ فِي الْوَرَثَةِ صَغِيرٌ أَوْ مَجْنُونٌ، دُفِعَ إلَيْهِ نَصِيبُهُ، وَنَصِيبُ الْمُقِرِّ بِرِدَّةِ الْمَوْرُوثِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَثْبُتْ رِدَّتُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ.

[فَصْل أُكْرِهَ عَلَى كَلِمَةِ الْكُفْرِ]

(٧١١٧) فَصْلٌ: وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى كَلِمَةِ الْكُفْرِ، فَالْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يَصْبِرَ وَلَا يَقُولَهَا، وَإِنْ أَتَى ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ؛ لِمَا رَوَى خَبَّابٌ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إنْ كَانَ الرَّجُلُ مِنْ قَبْلِكُمْ لَيُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ، فَيُجْعَلُ فِيهَا، فَيُجَاءُ بِمِنْشَارٍ، فَيُوضَعُ عَلَى شِقِّ رَأْسِهِ، وَيُشَقُّ بِاثْنَيْنِ، مَا يَمْنَعُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ عَظْمِهِ مِنْ لَحْمٍ، مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ.» وَجَاءَ تَفْسِيرُ قَوْله تَعَالَى: {قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ - النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ - إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ} [البروج: ٤ - ٦] {وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ} [البروج: ٧] أَنَّ بَعْضَ مُلُوكِ الْكُفَّارِ، أَخَذَ قَوْمًا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ، فَخَدَّ لَهُمْ أُخْدُودًا فِي الْأَرْضِ، وَأَوْقَدَ فِيهِ نَارًا، ثُمَّ قَالَ: مَنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ دِينِهِ فَأَلْقُوهُ فِي النَّارِ. فَجَعَلُوا يُلْقُونَهُمْ فِيهَا، حَتَّى جَاءَتْ امْرَأَةٌ عَلَى كَتِفِهَا صَبِيٌّ لَهَا، فَتَقَاعَسَتْ مِنْ أَجْلِ الصَّبِيِّ، فَقَالَ الصَّبِيُّ: يَا أُمَّهْ اصْبِرِي، فَإِنَّكِ عَلَى الْحَقِّ.

فَذَكَرَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ وَرَوَى الْأَثْرَمُ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يُؤْسَرُ، فَيُعْرَضُ عَلَى الْكُفْرِ، وَيُكْرَهُ عَلَيْهِ، أَلَهُ أَنْ يَرْتَدَّ؟ فَكَرِهَهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً، وَقَالَ مَا يُشْبِهُ هَذَا عِنْدِي الَّذِينَ أُنْزِلَتْ فِيهِمْ الْآيَةُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُولَئِكَ كَانُوا يُرَادُونَ عَلَى الْكَلِمَةِ ثُمَّ يُتْرَكُونَ يَعْمَلُونَ مَا شَاءُوا، وَهَؤُلَاءِ يُرِيدُونَهُمْ عَلَى الْإِقَامَةِ عَلَى الْكُفْرِ، وَتَرْكِ دِينِهِمْ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الَّذِي يُكْرَهُ عَلَى كَلِمَةٍ يَقُولُهَا ثُمَّ يُخَلَّى، لَا ضَرَرَ فِيهَا، وَهَذَا الْمُقِيمُ بَيْنَهُمْ، يَلْتَزِمُ بِإِجَابَتِهِمْ إلَى الْكُفْرِ الْمُقَامِ عَلَيْهِ، وَاسْتِحْلَالِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَتَرْكِ الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ، وَفِعْلِ الْمَحْظُورَاتِ وَالْمُنْكَرَاتِ، وَإِنْ كَانَ امْرَأَةً تَزَوَّجُوهَا، وَاسْتَوْلَدُوهَا أَوْلَادًا كُفَّارًا، وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ، وَظَاهِرُ حَالِهِمْ الْمَصِيرُ إلَى الْكُفْرِ الْحَقِيقِيِّ، وَالِانْسِلَاخُ مِنْ الدِّينِ الْحَنِيفِيِّ.

[مَسْأَلَةٌ ارْتَدَّ وَهُوَ سَكْرَانُ]

(٧١١٨) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَمَنْ ارْتَدَّ وَهُوَ سَكْرَانُ، لَمْ يُقْتَلُ حَتَّى يُفِيقَ، وَيَتِمَّ لَهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مِنْ وَقْتِ رِدَّتِهِ، فَإِنْ مَاتَ فِي سُكْرِهِ، مَاتَ كَافِرًا) اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ، فِي رِدَّةِ السَّكْرَانِ؛ فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهَا تَصِحُّ. قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: وَهُوَ أَظْهَرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>