[فَصْلٌ سَرَقَ رُبْعَ دِينَارٍ مِنْ الْمَضْرُوبِ الْخَالِصِ]
(٧٢٥٢) فَصْلٌ: وَإِذَا سَرَقَ رُبْعَ دِينَارٍ مِنْ الْمَضْرُوبِ الْخَالِصِ، فَفِيهِ الْقَطْعُ. وَإِنْ كَانَ فِيهِ غِشٌّ أَوْ تِبْرٌ يَحْتَاجُ إلَى تَصْفِيَةٍ، لَمْ يَجِبْ الْقَطْعُ حَتَّى يَبْلُغَ مَا فِيهِ مِنْ الذَّهَبِ رُبْعَ دِينَارٍ؛ لِأَنَّ السَّبْكَ يَنْقُصُهُ. وَإِنْ سَرَقَ رُبْعَ دِينَارٍ قُرَاضَةً، أَوْ تِبْرًا خَالِصًا، أَوْ حُلِيًّا، فَفِيهِ الْقَطْعُ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ الْجُوزَجَانِيِّ، قَالَ قُلْت لَهُ: كَيْفَ يَسْرِقُ رُبْعَ دِينَارٍ؟ فَقَالَ: قِطْعَةَ ذَهَبٍ، أَوْ خَاتَمًا، أَوْ حُلِيًّا. وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ.
وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي وُجُوبِ الْقَطْعِ احْتِمَالَيْنِ؛ أَحَدُهُمَا: لَا قَطْعَ عَلَيْهِ. وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّ الدِّينَارَ اسْمٌ لِلْمَضْرُوبِ. وَلَنَا أَنَّ ذَلِكَ رُبْعُ دِينَارٍ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ: دِينَارٌ قُرَاضَةٌ، وَمُكَسَّرٌ، أَوْ دِينَارٌ خَالِصٌ. وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ سَرِقَةُ رُبْعِ دِينَارٍ مُفْرَدٍ فِي الْغَالِبِ إلَّا مَكْسُورًا. وَقَدْ أُوجِبَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ بِذَلِكَ؛ وَلِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى تَعَلَّقَ بِالْمَضْرُوبِ، فَتَعَلَّقَ بِمَا لَيْسَ بِمَضْرُوبٍ، كَالزَّكَاةِ، وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا سَرَقَ مِنْ الْمَكْسُورِ وَالتِّبْرِ مَا لَا يُسَاوِي رُبْعَ دِينَارٍ صَحِيحٍ، فَإِنْ بَلَغَ ذَلِكَ فَفِيهِ الْقَطْعُ. وَالدِّينَارُ هُوَ الْمِثْقَالُ مِنْ مَثَاقِيلِ النَّاسِ الْيَوْمَ، وَهُوَ الَّذِي كُلُّ سَبْعَةٍ مِنْهَا عَشْرَةُ دَرَاهِمَ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَبْلَهُ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ، وَإِنَّمَا كَانَتْ الدَّرَاهِمُ مُخْتَلِفَةً، فَجُمِعَتْ وَجُعِلَتْ كُلُّ عَشْرَةٍ مِنْهَا سَبْعَةَ مَثَاقِيلَ، فَهِيَ الَّتِي يَتَعَلَّقُ الْقَطْعُ بِثَلَاثَةٍ مِنْهَا، إذَا كَانَتْ خَالِصَةً، مَضْرُوبَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ مَضْرُوبَةٍ، عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الذَّهَبِ.
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ النِّصَابَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَضْرُوبِ مِنْهَا، وَقَدْ ذَكَرَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ، وَيُحْتَمَلُ مَا قَالَهُ فِي الدَّرَاهِمِ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَهَا يَتَنَاوَلُ الصِّحَاحَ الْمَضْرُوبَةَ، بِخِلَافِ رُبْعِ الدِّينَارِ، عَلَى أَنَّنَا قَدْ ذَكَرْنَا فِيهَا احْتِمَالًا مُتَقَدِّمًا، فَهَاهُنَا أَوْلَى. وَمَا قُوِّمَ مِنْ غَيْرِهِمَا بِهِمَا، فَلَا قَطْعَ فِيهِ، حَتَّى يَبْلُغَ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ صِحَاحًا؛ لِأَنَّ إطْلَاقَهَا يَنْصَرِفُ إلَى الْمَضْرُوبِ دُونَ الْمُكَسَّرِ.
الشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْمَسْرُوقُ مَالًا، فَإِنْ سَرَقَ مَا لَيْسَ بِمَالٍ، كَالْحُرِّ، فَلَا قَطْعَ فِيهِ، صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا. وَبِهَذَا قَالَ، الشَّافِعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ. وَقَالَ الْحَسَنُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَمَالِكٌ، وَإِسْحَاقُ: يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ الْحُرِّ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُمَيِّزٍ، أَشْبَهَ الْعَبْدَ. وَذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ. وَلَنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ، فَلَا يُقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ، كَالْكَبِيرِ النَّائِمِ. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ إنْ كَانَ عَلَيْهِ حُلِيٌّ أَوْ ثِيَابٌ تَبْلُغُ نِصَابًا، لَمْ يُقْطَعْ. وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَكْثَرُ أ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute