بِإِشَارَتِهِ، كَبَيْعِهِ وَطَلَاقِهِ وَلِعَانِهِ، وَإِنْ لَمْ تُفْهَمْ إشَارَتُهُ، لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ. كَمَا لَمْ يَصِحَّ غَيْرُهُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ الْقَوْلِيَّةِ؛ وَلِأَنَّ النِّكَاحَ عَقْدٌ بَيْنَ شَخْصَيْنِ، فَلَا بُدَّ مِنْ فَهْمِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يَصْدُرُ مِنْ صَاحِبِهِ. وَلَوْ فَهِمَ ذَلِكَ صَاحِبُهُ الْعَاقِدُ مَعَهُ، لَمْ يَصِحَّ حَتَّى يَفْهَمَ الشُّهُودُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ شَرْطٌ، وَلَا يَصِحُّ عَلَى مَا لَا يُفْهَمُ. قَالَ أَحْمَدُ: لَا يُزَوِّجُهُ وَلِيُّهُ. يَعْنِي إذَا كَانَ بَالِغًا؛ لِأَنَّ الْخَرَسَ لَا يُوجِبُ الْحَجْرَ، فَهُوَ كَالصَّمَمِ.
[فَصْلٌ تَقَدَّمَ الْقَبُولُ عَلَى الْإِيجَابِ فِي النِّكَاحِ]
(٥٢٩٤) فَصْلٌ: إذَا تَقَدَّمَ الْقَبُولُ عَلَى الْإِيجَابِ. لَمْ يَصِحَّ. رِوَايَةً وَاحِدَةً، سَوَاءٌ كَانَ بِلَفْظِ الْمَاضِي، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: تَزَوَّجْت ابْنَتَك. فَيَقُولَ: زَوَّجْتُك. أَوْ بِلَفْظِ الطَّلَبِ، كَقَوْلِهِ: زَوِّجْنِي ابْنَتَك. فَيَقُولُ: زَوَّجْتُكَهَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: يَصِحُّ فِيهِمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ، فَيَصِحُّ كَمَا لَوْ تَقَدَّمَ الْإِيجَابُ.
وَلَنَا، أَنَّ الْقَبُولَ إنَّمَا يَكُونُ لِلْإِيجَابِ، فَمَتَى وُجِدَ قَبْلَهُ لَمْ يَكُنْ قَبُولًا؛ لِعَدَمِ مَعْنَاهُ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا لَوْ تَقَدَّمَ بِلَفْظِ الِاسْتِفْهَامِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ تَأَخَّرَ عَنْ الْإِيجَابِ بِلَفْظِ الطَّلَبِ، لَمْ يَصِحَّ، فَإِذَا تَقَدَّمَ كَانَ أَوْلَى، كَصِيغَةِ الِاسْتِفْهَامِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ أَتَى بِالصِّيغَةِ الْمَشْرُوعَةِ مُتَقَدِّمَةً فَقَالَ: قَبِلْت هَذَا النِّكَاحَ. فَقَالَ الْوَلِيُّ: زَوَّجْتُك ابْنَتِي. لَمْ يَصِحَّ، فَلَأَنْ لَا يَصِحَّ إذَا أَتَى بِغَيْرِهَا أَوْلَى. وَأَمَّا الْبَيْعُ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ صِيغَةُ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، بَلْ يَصِحُّ بِالْمُعَاطَاةِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ فِيهِ لَفْظٌ، بَلْ يَصِحُّ بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ مِمَّا يُؤَدِّي الْمَعْنَى، وَلَا يَلْزَمُ الْخُلْعُ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ عَلَى الشُّرُوطِ.
[فَصْلٌ عَقَدَ النِّكَاحَ هَازِلًا أَوْ تَلْجِئَةً]
(٥٢٩٥) فَصْلٌ: وَإِذَا عَقَدَ النِّكَاحَ هَازِلًا أَوْ تَلْجِئَةً، صَحَّ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «ثَلَاثٌ هَزْلُهُنَّ جِدٌّ، وَجِدُّهُنَّ جِدٌّ؛ الطَّلَاقُ، وَالنِّكَاحُ، وَالرَّجْعَةُ.» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَعَنْ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ نَكَحَ لَاعِبًا، أَوْ طَلَّقَ لَاعِبًا، أَوْ أَعْتَقَ لَاعِبًا، جَازَ.» وَقَالَ عُمَرُ أَرْبَعٌ جَائِزَاتٌ إذَا تَكَلَّمَ بِهِنَّ؛ الطَّلَاقُ، وَالنِّكَاحُ، وَالْعَتَاقُ، وَالنَّذْرُ.
وَقَالَ عَلِيٌّ أَرْبَعٌ لَا لَعِبَ فِيهِنَّ: الطَّلَاقُ، وَالْعَتَاقُ، وَالنِّكَاحُ، وَالنَّذْرُ.
[فَصْلٌ تَرَاخَى الْقَبُولُ عَنْ الْإِيجَابِ فِي النِّكَاحِ]
(٥٢٩٦) فَصْلٌ: إذَا تَرَاخَى الْقَبُولُ عَنْ الْإِيجَابِ، صَحَّ، مَا دَامَا فِي الْمَجْلِسِ، وَلَمْ يَتَشَاغَلَا عَنْهُ بِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْمَجْلِسِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute