للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(٥٤٢٩) الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الْوَثَنِيَّيْنِ أَوْ الْمَجُوسِيَّيْنِ، أَوْ كِتَابِيٌّ مُتَزَوِّجٌ بِوَثَنِيَّةٍ أَوْ مَجُوسِيَّةٍ قَبْلَ الدُّخُولِ، تَعَجَّلَتْ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا مِنْ حِينِ إسْلَامِهِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ فَسْخًا لَا طَلَاقًا

وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَتَعَجَّلُ الْفُرْقَةُ، بَلْ إنْ كَانَا فِي دَارِ الْإِسْلَام عُرِضَ الْإِسْلَامُ عَلَى الْآخَرِ، فَإِنْ أَبَى وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ حِينَئِذٍ، وَإِنْ كَانَا فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَقَفَ ذَلِكَ عَلَى انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، فَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ الْآخَرُ، وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ. فَإِنْ كَانَ الْإِبَاءُ مِنْ الزَّوْجِ، كَانَ طَلَاقًا؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ حَصَلَتْ مِنْ قِبَلِهِ، فَكَانَ طَلَاقًا، كَمَا لَوْ لَفَظَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمَرْأَةِ، كَانَ فَسْخًا؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَمْلِكُ الطَّلَاقَ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَتْ هِيَ الْمُسْلِمَةَ، عُرِضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ فَإِنْ أَسْلَمَ، وَإِلَّا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ، وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُسْلِمَ، تَعَجَّلَتْ الْفُرْقَةُ؛ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: ١٠]

وَلَنَا، أَنَّهُ اخْتِلَافُ دِينٍ يَمْنَعُ الْإِقْرَارَ عَلَى النِّكَاحِ، فَإِذَا وُجِدَ قَبْلَ الدُّخُولِ، تَعَجَّلَتْ الْفُرْقَةُ، كَالرِّدَّةِ. وَعَلَى مَالِكٍ كَإِسْلَامِ الزَّوْجِ، أَوْ كَمَا لَوْ أَبَى الْآخِرُ الْإِسْلَامَ، وَلِأَنَّهُ إنْ كَانَ هُوَ الْمُسْلِمَ، فَلَيْسَ لَهُ إمْسَاكُ كَافِرَةٍ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممتحنة: ١٠] وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْمُسْلِمَةَ، فَلَا يَجُوزُ إبْقَاؤُهَا فِي نِكَاحِ مُشْرِكٍ. وَلَنَا، عَلَى أَنَّهَا فُرْقَةُ فَسْخٍ، أَنَّهَا فُرْقَةٌ بِاخْتِلَافِ الدِّينِ، فَكَانَ فَسْخًا، كَمَا لَوْ أَسْلَمَ الزَّوْجُ وَأَبَتِ الْمَرْأَةُ، وَلِأَنَّهَا فُرْقَةٌ بِغَيْرِ لَفْظٍ، فَكَانَتْ فَسْخًا، كَفُرْقَةِ الرَّضَاعِ.

[الْفَصْلُ الثَّانِي الْفُرْقَةَ إذَا حَصَلَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ بِإِسْلَامِ الزَّوْجِ]

(٥٤٣٠) الْفَصْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْفُرْقَةَ إذَا حَصَلَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ بِإِسْلَامِ الزَّوْجِ، فَلِلْمَرْأَةِ نِصْفُ الْمُسَمَّى إنْ كَانَتْ التَّسْمِيَةُ صَحِيحَةً، أَوْ نِصْفُ مَهْرِ مِثْلِهَا إنْ كَانَتْ فَاسِدَةً، مِثْلُ أَنْ يُصْدِقَهَا خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ حَصَلَتْ بِفِعْلِهِ، وَإِنْ كَانَتْ بِإِسْلَامِ الْمَرْأَةِ، فَلَا شَيْءَ لَهَا؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ مِنْ جِهَتِهَا. وَبِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ، وَمَالِكٌ، وَالزُّهْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَالشَّافِعِيُّ. وَعَنْ أَحْمَدَ، رِوَايَةٌ أُخْرَى، أَنَّ لَهَا نِصْفَ الْمَهْرِ إذَا كَانَتْ هِيَ الْمُسْلِمَةَ

وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ. وَبِهِ قَالَ قَتَادَةُ، وَالثَّوْرِيُّ. وَيَقْتَضِيهِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ حَصَلَتْ مِنْ قِبَلِهِ بِإِبَائِهِ الْإِسْلَامَ وَامْتِنَاعِهِ مِنْهُ، وَهِيَ فَعَلَتْ مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهَا، فَكَانَ لَهَا نِصْفُ مَا فَرَضَ اللَّهُ لَهَا، كَمَا لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى الصَّلَاةِ فَصَلَّتْ. وَنُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ، فِي مَجُوسِيٍّ أَسْلَمَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِامْرَأَتِهِ: لَا شَيْءَ لَهَا مِنْ الصَّدَاقِ. وَوَجْهُهَا مَا ذَكَرْنَاهُ، وَوَجْهُ الْأُولَى أَنَّ الْفُرْقَةَ حَصَلَتْ بِاخْتِلَافِ الدِّينِ، وَاخْتِلَافُ الدِّينِ حَصَلَ بِإِسْلَامِهَا، فَكَانَتْ الْفُرْقَةُ حَاصِلَةً بِفِعْلِهَا، فَلَمْ يَجِبْ لَهَا شَيْءٌ، كَمَا لَوْ ارْتَدَّتْ، وَيُفَارِقُ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ، فَإِنَّهُ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ، وَلِهَذَا لَوْ عَلَّقَهُ عَلَى دُخُولِ الدَّارِ فَدَخَلَتْ، وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ وَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>