للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِقَدْرِ النَّفَقَةِ، وَهِيَ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ.

وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ، فَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَ لَهُ هَذَا، وَمِنْهُمْ مِنْ قَالَ: يُوَاطِئُ رَجُلًا يَدَّعِي عَلَيْهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ دَيْنًا، فَيُقِرُّ لَهُ بِمِلْكِ الشَّيْءِ الَّذِي أَخَذَهُ، فَيَمْتَنِعُ مَنْ عَلَيْهِ الدَّعْوَى مِنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ، لِيَبِيعَ الْحَاكِمُ الشَّيْءَ الْمَأْخُوذَ، وَيَدْفَعَهُ إلَيْهِ.

[فَصْلٌ ادَّعَى إنْسَانٌ عَلَى إنْسَانٍ حَقًّا وَأَقَامَ بِهِ شَاهِدَيْنِ فَلَمْ يَعْرِفْ الْحَاكِمُ عَدَالَتَهُمَا]

(٨٥٦٥) فَصْلٌ: إذَا ادَّعَى إنْسَانٌ عَلَى إنْسَانٍ حَقًّا، وَأَقَامَ بِهِ شَاهِدَيْنِ فَلَمْ يَعْرِفْ الْحَاكِمُ عَدَالَتَهُمَا، فَسَأَلَ حَبْسَ غَرِيمِهِ حَتَّى تَثْبُتَ عَدَالَةَ شُهُودِهِ، أُجِيبَ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْعَدَالَةُ، وَلِأَنَّ الَّذِي عَلَى الْغَرِيمِ قَدْ أَتَى بِهِ، وَإِنَّمَا بَقِيَ مَا عَلَى الْحَاكِمِ، وَهُوَ الْكَشْفُ عَنْ عَدَالَةِ الشُّهُودِ.

وَإِنْ أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا وَسَأَلَ حَبْسَ غَرِيمِهِ لِيُقِيمَ شَاهِدًا آخَرَ، وَكَانَ الْحَقُّ مِمَّا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ، لَمْ يُحْبَسْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ مَا تَمَّتْ، وَالْحَبْسُ عَذَابٌ، فَلَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ دُونَ تَمَامِ الْبَيِّنَةِ وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ مِمَّا يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا، يُحْبَسُ لَهُ؛ لِأَنَّ الشَّاهِدَ الْوَاحِدَ حُجَّةٌ فِي الْمَالِ، وَإِنَّمَا الْيَمِينُ مُقَوِّيَةٌ لَهُ. وَالثَّانِي، لَا يُحْبَسُ. وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ إنْ حُبِسَ لِيُقِيمَ شَاهِدًا آخَرَ يُتِمُّ بِهِ الْبَيِّنَةَ، فَهُوَ كَالْحُقُوقِ الَّتِي لَا تَثْبُتُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ، وَإِنْ حُبِسَ لِيَحْلِفَ مَعَهُ، فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ، فَإِنَّ الْحَلِفَ مُمْكِنٌ فِي الْحَالِ، فَإِنْ حَلَفَ، ثَبَتَ حَقُّهُ، وَإِلَّا، لَمْ يَجِبْ شَيْءٌ.

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ الْمُدَّعِي بَاذِلًا لِلْيَمِينِ، وَالتَّوَقُّفُ لِأَجْلِ إثْبَاتِ عَدَالَةِ الشَّاهِدِ، حُبِسَ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الَّتِي قَبْلَهَا وَإِنْ كَانَ التَّوَقُّفُ عَنْ الْحُكْمِ بِغَيْرِ ذَلِكَ، لَمْ يُحْبَسْ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ، قَالَ الْقَاضِي: وَكُلُّ مَوْضِعٍ حُبِسَ فِيهِ بِشَاهِدَيْنِ، اُسْتُدِيمَ الْحَبْسُ حَتَّى تَثْبُتَ عَدَالَةُ الشُّهُودِ أَوْ فِسْقُهُمْ، وَكُلُّ مَوْضِعٍ حُبِسَ فِيهِ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ يُقَالُ لِلْمَشْهُودِ لَهُ: إنْ جِئْت بِشَاهِدٍ آخَرَ إلَى ثَلَاثٍ وَإِلَّا أَطْلَقْنَاهُ.

[فَصْل ادَّعَى الْعَبْدُ أَنَّ سَيِّدَهُ أَعْتَقَهُ وَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ وَلَمْ يُعَدَّلَا فَسَأَلَ الْعَبْدُ الْحَاكِم أَنْ يَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ]

(٨٥٦٦) فَصْلٌ: وَإِنْ ادَّعَى الْعَبْدُ أَنَّ سَيِّدَهُ أَعْتَقَهُ، وَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ، وَلَمْ يُعَدَّلَا، فَسَأَلَ الْعَبْدُ الْحَاكِمَ أَنْ يَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ إلَى أَنْ يَبْحَثَ الْحَاكِمُ عَنْ عَدَالَةِ الشُّهُودِ، فَعَلَى الْحَاكِمِ ذَلِكَ، يُؤْجِرَهُ مِنْ ثِقَةٍ يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ كَسْبِهِ وَيَحْبِسُ الْبَاقِيَ، فَإِنْ عُدِّلَ الشَّاهِدَانِ، سُلِّمَ إلَيْهِ الْبَاقِي مِنْ كَسْبِهِ، وَإِنْ فُسِّقَا، رُدَّ إلَى سَيِّدِهِ. وَإِنَّمَا حُلْنَا بَيْنَهُمَا؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا، وَلِأَنَّنَا لَوْ لَمْ نَحُلْ بَيْنَهُمَا، أَفْضَى إلَى أَنْ تَكُونَ أَمَةً، فَيَطَأَهَا.

وَإِنْ أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا، وَسَأَلَ أَنْ يُحَالَ بَيْنَهُمَا، فَفِيهِ وَجْهَانِ وَإِنْ أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ شَاهِدَيْنِ يَشْهَدَانِ بِطَلَاقِهَا، وَلَمْ تُعْرَفْ عَدَالَةُ الشُّهُودِ، حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، وَإِنْ أَقَامَتْ شَاهِدًا وَاحِدًا، لَمْ يُحَلْ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لَمْ تَتِمَّ، وَهَذَا مِمَّا لَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ، فَلَا يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>