للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِيمَا أَسَرَّ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: إذَا جَهَرَ فَلَا تَقْرَأْ، وَإِذَا خَافَتَ فَاقْرَأْ. وَرُوِيَ مَعْنَى ذَلِكَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَالْحَسَنِ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَنَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَالْحَكَمِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: لِلْإِمَامِ سَكْتَتَانِ، فَاغْتَنِمُوا فِيهِمَا الْقِرَاءَةَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ؛ إذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ، وَإِذَا قَالَ: وَلَا الضَّالِّينَ. وَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَمَّا أَنَا فَأَغْتَنِمُ مِنْ الْإِمَامِ اثْنَتَيْنِ، إذَا قَالَ: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ، فَأَقْرَأُ عِنْدَهَا، وَحِينَ يَخْتِمُ السُّورَةَ، فَأَقْرَأُ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ.

وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَقْرَأُ الْإِمَامُ بِحَالٍ؛ لِمَا ذَكَرْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذَا. وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَإِذَا أَسْرَرْت بِقِرَاءَتِي فَاقْرَءُوا» . رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيّ. وَلِأَنَّ عُمُومَ الْأَخْبَارِ يَقْتَضِي الْقِرَاءَةَ فِي حَقِّ كُلِّ مُصَلٍّ، فَخَصَّصْنَاهَا بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْأَدِلَّةِ، وَهِيَ مُخْتَصَّةٌ بِحَالِ الْجَهْرِ، وَفِيمَا عَدَاهُ يَبْقَى عَلَى الْعُمُومِ، وَتَخْصِيصُ حَالَةِ الْجَهْرِ بِامْتِنَاعِ النَّاسِ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِيهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْرَءُونَ فِي غَيْرِهَا. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، فِي الْإِمَامِ يَقْرَأُ وَهُوَ لَا يَسْمَعُ: يَقْرَأُ. قِيلَ لَهُ: أَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: ٢٠٤] ؟ فَقَالَ: هَذَا إلَى أَيِّ شَيْءٍ يَسْتَمِعُ؟ . وَيُسَنُّ لَهُ قِرَاءَةُ السُّورَةِ مَعَ الْفَاتِحَةِ فِي مَوَاضِعِهَا.

[مَسْأَلَة مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ]

(٧٨٨) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْقِرَاءَةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَى الْمَأْمُومِ فِيمَا جَهَرَ بِهِ الْإِمَامُ، وَلَا فِيمَا أَسَرَّ بِهِ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ. وَبِذَلِكَ قَالَ الزُّهْرِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَمَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَإِسْحَاقُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَدَاوُد: يَجِبُ؛ لِعُمُومِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا يَقْرَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» غَيْرَ أَنَّهُ خَصَّ فِي حَالِ الْجَهْرِ بِالْأَمْرِ بِالْإِنْصَاتِ، فَفِيمَا عَدَاهُ يَبْقَى عَلَى الْعُمُومِ. وَلَنَا مَا رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ فَإِنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ» . وَرَوَاهُ الْخَلَّالُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ، شُعْبَةَ، عَنْ مُوسَى، مُطَوَّلًا. وَأَخْبَرَنَاهُ أَبُو الْفَتْحِ بْنُ الْبَطِّيُّ فِي حَدِيثِ ابْنِ الْبُحْتُرِيِّ، بِإِسْنَادِهِ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُوسَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ،

قَالَ: «كَانَ رَجُلٌ يَقْرَأُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَعَلَ رَجُلٌ يُومِئُ إلَيْهِ أَنْ لَا يَقْرَأَ، فَأَبَى إلَّا أَنْ يَقْرَأَ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ الرَّجُلُ: مَا لَكَ تَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ؟ فَقَالَ: مَا لَكَ تَنْهَانِي أَنْ أَقْرَأَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إذَا كَانَ لَك إمَامٌ يَقْرَأُ فَإِنَّ قِرَاءَتَهُ لَك قِرَاءَةٌ» . وَقَدْ ذَكَرْنَا حَدِيثَ جَابِرٍ: " إلَّا وَرَاءَ الْإِمَامِ ". وَرَوَى الْخَلَّالُ، وَالدَّارَقُطْنِيّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «يَكْفِيك قِرَاءَةُ الْإِمَامِ، خَافَتَ أَوْ جَهَرَ» وَلِأَنَّ الْقِرَاءَةَ لَوْ كَانَتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>