وَلَنَا، أَنَّهُ يُمْكِنُهُ ضَرْبُهُ فِي وَقْتِهِ، فَلَمْ يَضْرِبْهُ، فَحَنِثَ، كَمَا لَوْ مَضَى الْغَدُ قَبْلَ ضَرْبِهِ. السَّادِسَةُ، مَاتَ الْحَالِفُ فِي غَدٍ، بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ ضَرْبِهِ، فَلَمْ يَضْرِبْهُ، حَنِثَ، وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِمَا ذَكَرْنَا. السَّابِعَةُ، ضَرَبَهُ فِي يَوْمِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَبَرُّ. وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَقَالَ الْقَاضِي، وَأَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ: يَبَرُّ؛ لِأَنَّ يَمِينَهُ لِلْحَثِّ عَلَى ضَرْبِهِ، فَإِذَا ضَرَبَهُ الْيَوْمَ، فَقَدْ فَعَلَ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ وَزِيَادَةً، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ فِي غَدٍ، فَقَضَاهُ الْيَوْمَ.
وَلَنَا، أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ فِي وَقْتِهِ، فَلَمْ يَبَرَّ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَيَصُومَنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَصَامَ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَفَارَقَ قَضَاءَ الدَّيْنِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ تَعْجِيلُهُ لَا غَيْرُ، وَفِي قَضَاءِ الْيَوْمِ زِيَادَةٌ فِي التَّعْجِيلِ، فَلَا يَحْنَثُ فِيهَا؛ لِأَنَّهُ عُلِمَ مِنْ قَصْدِهِ إرَادَةُ أَنْ لَا يَتَجَاوَزَ غَدًا بِالْقَضَاءِ، فَصَارَ كَالْمَلْفُوظِ بِهِ، إذْ كَانَ مَبْنَى الْأَيْمَانِ عَلَى النِّيَّةِ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُ مَا لَيْسَ بِمِثْلِهِ عَلَيْهِ، وَسَائِرُ الْمَحْلُوفَاتِ لَا تُعْلَمُ مِنْهَا إرَادَةُ التَّعْجِيلِ عَنْ الْوَقْتِ الَّذِي وَقَّتَهُ لَهَا، فَامْتَنَعَ الْإِلْحَاقُ، وَتَعَيَّنَ التَّمَسُّكُ بِاللَّفْظِ. الثَّامِنَةُ، ضَرَبَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، لَمْ يَبَرَّ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ تَنْصَرِفُ إلَى ضَرْبِهِ حَيًّا، يَتَأَلَّمُ بِالضَّرْبِ، وَقَدْ زَالَ هَذَا بِالْمَوْتِ.
التَّاسِعَةُ، ضَرَبَهُ ضَرْبًا لَا يُؤْلِمُهُ، لَمْ يَبَرّ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ. الْعَاشِرَةُ، خَنَقَهُ، أَوْ نَتَفَ شَعْرَهُ، أَوْ عَصَرَ سَاقَهُ، بِحَيْثُ يُؤْلِمُهُ، فَإِنَّهُ يَبَرُّ؛ لِأَنَّهُ يُسَمَّى ضَرْبًا؛ لِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لَهُ. الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ، جُنَّ الْعَبْدُ، فَضَرَبَهُ، فَإِنَّهُ يَبَرُّ؛ لِأَنَّهُ حَيٌّ يَتَأَلَّمُ بِالضَّرْبِ، وَإِنْ لَمْ يَضْرِبْهُ، حَنِثَ. وَإِنْ حَلَفَ لَا يَضْرِبُهُ فِي غَدٍ، فَفِيهِ نَحْوٌ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ. وَمَتَى فَاتَ ضَرْبُهُ بِمَوْتِهِ أَوْ غَيْرِهِ، لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَضْرِبْهُ.
[فَصْل قَالَ وَاَللَّهِ لَأَشْرَبَنَّ مَاءَ هَذَا الْكُوزِ غَدًا فَانْدَفَقَ الْيَوْمَ]
(٨١٠٩) فَصْلٌ: وَإِنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَأَشْرَبَنَّ مَاءَ هَذَا الْكُوزِ غَدًا. فَانْدَفَقَ الْيَوْمَ، أَوْ: لَآكُلَنَّ هَذَا الْخُبْزَ غَدًا. فَتَلِفَ، فَهُوَ عَلَى نَحْوٍ مِمَّا ذَكَرْنَا فِي الْعَبْدِ. قَالَ صَالِحٌ: سَأَلْت أَبِي عَنْ الرَّجُلِ يَحْلِفُ أَنْ يَشْرَبَ هَذَا الْمَاءَ، فَانْصَبَّ؟ قَالَ: يَحْنَثُ. وَكَذَلِكَ إنَّ حَلَفَ أَنْ يَأْكُلَ هَذَا الرَّغِيفَ، فَأَكَلَهُ كَلْبٌ؟ قَالَ: يَحْنَثُ؛ لِأَنَّ هَذَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ.
[مَسْأَلَةٌ حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَهُ حِينًا فَكَلَّمَهُ قَبْلَ السِّتَّةِ أَشْهُرٍ]
(٨١١٠) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَهُ حِينًا، فَكَلَّمَهُ قَبْلَ السِّتَّةِ أَشْهُرٍ، حَنِثَ) . وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ حِينًا، فَإِنْ قَيَّدَ ذَلِكَ بِلَفْظِهِ أَوْ بِنِيَّتِهِ بِزَمَنٍ، تَقَيَّدَ بِهِ، وَإِنْ أَطْلَقَهُ، انْصَرَفَ إلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ، وَالْحَكَمُ، وَحَمَّادٌ، وَمَالِكٌ: هُوَ سَنَةٌ؛ لِقَوْلِهِ اللَّهِ تَعَالَى: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا} [إبراهيم: ٢٥] . أَيْ كُلَّ عَامٍ.
وَقَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute