ثُمَّ اعْتَدَلَ فَلَمْ يُصَوِّبْ وَلَمْ يُقْنِعْ، وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ» . وَقَالَتْ عَائِشَةُ،: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا رَكَعَ لَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ، وَلَمْ يُصَوِّبْهُ وَلَكِنْ بَيْنَ ذَلِكَ.» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ قَالَ أَحْمَدُ: يَنْبَغِي لَهُ إذَا رَكَعَ أَنْ يُلْقِمَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَاحَتَيْهِ رُكْبَتَيْهِ، وَيُفَرِّقَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، وَيَعْتَمِدَ عَلَى ضَبْعَيْهِ وَسَاعِدَيْهِ، وَيُسَوِّيَ ظَهْرَهُ، وَلَا يَرْفَعَ رَأْسَهُ وَلَا يُنَكِّسَهُ، وَقَدْ جَاءَ الْحَدِيثُ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ كَانَ إذَا رَكَعَ لَوْ كَانَ قَدَحُ مَاءٍ عَلَى ظَهْرِهِ مَا تَحَرَّكَ. وَذَلِكَ لِاسْتِوَاءِ ظَهْرِهِ.
وَالْوَاجِبُ مِنْ ذَلِكَ الِانْحِنَاءُ، بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ مَسُّ رُكْبَتَيْهِ بِيَدَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ حَدِّ الْقِيَامِ إلَى الرُّكُوعِ إلَّا بِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ وَضْعُهُمَا، وَإِنَّمَا ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ، فَإِنْ كَانَتَا عَلِيلَتَيْنِ، لَا يُمْكِنُهُ وَضْعُهُمَا، انْحَنَى وَلَمْ يَضَعْهُمَا، وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا عَلِيلَةً وَضَعَ الْأُخْرَى.
(٦٩٢) فَصْلٌ: وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُجَافِيَ عَضُدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، فَإِنَّ أَبَا حُمَيْدٍ ذَكَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ كَأَنَّهُ قَابِضٌ عَلَيْهِمَا، وَوَتَرَ يَدَيْهِ فَنَحَّاهُمَا عَنْ جَنْبَيْهِ» حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
[فَصْلٌ الطُّمَأْنِينَةُ فِي الرُّكُوع]
(٦٩٣) فَصْلٌ: وَيَجِبُ أَنْ يَطْمَئِنَّ فِي رُكُوعِهِ. وَمَعْنَاهُ أَنْ يَمْكُثَ إذَا بَلَغَ حَدَّ الرُّكُوعِ قَلِيلًا. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الطُّمَأْنِينَةُ غَيْرُ وَاجِبَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج: ٧٧] . وَلَمْ يَذْكُرْ الطُّمَأْنِينَةَ، وَالْأَمْرُ بِالشَّيْءِ يَقْتَضِي حُصُولَ الْإِجْزَاءِ بِهِ. وَلَنَا، قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمُسِيءِ فِي صَلَاتِهِ: «ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَرَوَى أَبُو قَتَادَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَسْوَأُ النَّاسِ سَرِقَةً الَّذِي يَسْرِقُ مِنْ صَلَاتِهِ. قِيلَ: وَكَيْفَ يَسْرِقُ مِنْ صَلَاتِهِ؟ قَالَ: لَا يُتِمُّ رُكُوعَهَا وَلَا سُجُودَهَا وَقَالَ: لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ لَا يُقِيمُ الرَّجُلُ صُلْبَهُ فِيهَا فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَالْآيَةُ حُجَّةٌ لَنَا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَّرَ الرُّكُوعَ بِفِعْلِهِ وَقَوْلِهِ، فَالْمُرَادُ بِالرُّكُوعِ مَا بَيَّنَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
[فَصْلٌ رَفَعَ رَأْسَهُ وَشَكَّ هَلْ رَكَعَ أَوَّلًا أَوْ هَلْ أَتَى بِقَدْرِ الْإِجْزَاءِ أَوْ لَا]
(٦٩٤) فَصْلٌ: وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ، وَشَكَّ هَلْ رَكَعَ أَوْ لَا، أَوْ هَلْ أَتَى بِقَدْرِ الْإِجْزَاءِ أَوْ لَا؟ لَمْ يَعْتَدَّ بِهِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ فَيَرْكَعَ حَتَّى يَطْمَئِنَّ رَاكِعًا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ مَا شَكَّ فِيهِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَسْوَاسًا، فَلَا يَلْتَفِتَ إلَيْهِ، وَهَكَذَا الْحُكْمُ فِي سَائِرِ الْأَرْكَانِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute