للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ: وَلَا يُصَلِّي يَوْمَئِذٍ إلَّا بِالْمَدِينَةِ وَكَانَ يُصَلُّونَ فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ الْأَوَّلُ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ.» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالشَّفَقُ الْأَوَّلُ هُوَ الْحُمْرَةُ. وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَقْتُ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَسْقُطْ فَوْرُ الشَّفَقِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَرُوِيَ " ثَوْرُ الشَّفَقِ " وَفَوْرُ الشَّفَقِ: فَوَرَانُهُ وَسُطُوعُهُ. وَثَوْرُهُ: ثَوَرَانُ حُمْرَتِهِ، وَإِنَّمَا يَتَنَاوَلُ هَذَا الْحُمْرَةَ، وَآخِرُ وَقْتِ الْمَغْرِبِ أَوَّلُ وَقْتِ الْعِشَاءِ.

وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ، فَإِذَا غَابَ الشَّفَقُ وَجَبَتْ الْعِشَاءُ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَمَا رَوَوْهُ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، فَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ قَلِيلًا، وَهُوَ الْأَفْضَلُ وَالْأَوْلَى، وَلِهَذَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «قَالَ لِبِلَالٍ: اجْعَلْ بَيْنَ أَذَانِك وَإِقَامَتِك قَدْرَ مَا يَفْرُغُ الْآكِلُ مِنْ أَكْلِهِ، وَالْمُتَوَضِّئُ مِنْ وُضُوئِهِ، وَالْمُعْتَصِرُ إذَا دَخَلَ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ» إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَإِنَّهُ إنْ كَانَ فِي مَكَان يَظْهَرُ لَهُ الْأُفُقُ، وَيَبِينُ لَهُ مَغِيبُ الشَّفَقِ، فَمَتَى ذَهَبَتْ الْحُمْرَةُ وَغَابَتْ، دَخَلَ وَقْتُ الْعِشَاءِ، وَإِنْ كَانَ فِي مَكَان يَسْتَتِرُ عَنْهُ الْأُفُقُ بِالْجُدْرَانِ وَالْجِبَالِ، اسْتَظْهَرَ حَتَّى يَغِيبَ الْبَيَاضُ، لِيَسْتَدِلَّ بِغَيْبَتِهِ عَلَى مَغِيبِ الْحُمْرَةِ، فَيَعْتَبِرُ غَيْبَةَ الْبَيَاضِ، لِدَلَالَتِهِ عَلَى مَغِيبِ الْحُمْرَةِ لَا لِنَفْسِهِ.

[مَسْأَلَة إذَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ ذَهَبَ وَقْتُ الِاخْتِيَارِ]

(٥٢٧) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (فَإِذَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ ذَهَبَ وَقْتُ الِاخْتِيَارِ، وَوَقْتُ الضَّرُورَةِ مُبْقًى إلَى أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ الثَّانِي، وَهُوَ الْبَيَاضُ الَّذِي يُرَى مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ، فَيَنْتَشِرُ، وَلَا ظُلْمَةَ بَعْدَهُ) اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي آخِرِ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ، فَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ ثُلُثُ اللَّيْلِ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَمَالِكٍ؛ لِأَنَّ فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ، أَنَّهُ صَلَّى بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ ثُلُثَ اللَّيْلِ، وَقَالَ: «الْوَقْتُ فِيمَا بَيْنَ هَذَيْنِ» وَفِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ، «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّاهَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي ثُلُثَ اللَّيْلِ» وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «صَلُّوا فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ» وَفِي حَدِيثِهَا الْآخَرِ: وَكَانُوا يُصَلُّونَ فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ الْأَوَّلُ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ.

وَلِأَنَّ ثُلُثَ اللَّيْلِ يَجْمَعُ الرِّوَايَاتِ، وَالزِّيَادَةُ تَعَارَضْت الْأَخْبَارُ فِيهَا، فَكَانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ أَوْلَى، وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّ آخِرَهُ نِصْفُ اللَّيْلِ. وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، لِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «أَخَّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَاةَ الْعِشَاءِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ.» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ

وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَوْلَا ضَعْفُ الضَّعِيفِ، وَسَقَمُ السَّقِيمِ، لَأَمَرْت بِهَذِهِ الصَّلَاةِ أَنْ تُؤَخَّرَ إلَى شَطْرِ اللَّيْلِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالنَّسَائِيُّ، وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «وَقْتُ الْعِشَاءِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ»

<<  <  ج: ص:  >  >>