عَلَى اجْتِهَادِ غَيْرِهِ، فَاجْتِهَادُهُ أَوْلَى، فَإِنْ اسْتَدَارَ عَنْ تِلْكَ الْجِهَةِ، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. وَإِنْ أَخْبَرَهُ مُخْبِرٌ بِخَطَئِهِ عَنْ يَقِينٍ، رَجَعَ إلَيْهِ. وَإِنْ أَخْبَرَهُ عَنْ اجْتِهَادٍ، لَمْ يَرْجِعْ إلَيْهِ؛ لِمَا ذَكَرْنَا.
وَإِنْ شَرَعَ فِيهَا وَهُوَ أَعْمَى، فَأَبْصَرَ فِي أَثْنَائِهَا، فَشَاهَدَ مَا يَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَى صَوَابِ نَفْسِهِ، مِثْلُ أَنْ يَرَى الشَّمْسَ فِي قِبْلَتِهِ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، مَضَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَيْنِ قَدْ اتَّفَقَا. وَإِنْ بَانَ لَهُ خَطَؤُهُ، اسْتَدَارَ إلَى الْجِهَةِ الَّتِي أَدَّاهُ إلَيْهَا، وَبَنَى عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلَاتِهِ. وَإِنْ لَمْ يَبِنْ لَهُ صَوَابُهُ وَلَا خَطَؤُهُ، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَاجْتَهَدَ؛ لِأَنَّ فَرْضَهُ الِاجْتِهَادُ، فَلَمْ يَجُزْ لَهُ أَدَاءُ فَرْضِهِ بِالتَّقْلِيدِ، كَمَا لَوْ كَانَ بَصِيرًا فِي ابْتِدَائِهَا. وَإِنْ كَانَ مُقَلِّدًا، مَضَى فِي صَلَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ إلَّا الدَّلِيلُ الَّذِي بَدَأَ بِهِ فِيهَا.
[مَسْأَلَة صَلَّى بِالِاجْتِهَادِ إلَى جِهَةٍ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ قَدْ أَخْطَأَ الْقِبْلَةَ]
(٦٢٨) مَسْأَلَةٌ: قَالَ: (وَإِذَا صَلَّى بِالِاجْتِهَادِ إلَى جِهَةٍ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ قَدْ أَخْطَأَ الْقِبْلَةَ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إعَادَةٌ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْمُجْتَهِدَ إذَا صَلَّى بِالِاجْتِهَادِ إلَى جِهَةٍ، ثُمَّ بَانَ لَهُ أَنَّهُ صَلَّى إلَى غَيْرِ جِهَةِ الْكَعْبَةِ يَقِينًا، لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِعَادَةُ. وَكَذَلِكَ الْمُقَلِّدُ الَّذِي صَلَّى بِتَقْلِيدِهِ. وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ. وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ.
وَقَالَ فِي الْآخَرِ: يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ؛ لِأَنَّهُ بَانَ لَهُ الْخَطَأُ فِي شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ، فَلَزِمَتْهُ الْإِعَادَةُ، كَمَا لَوْ بَانَ لَهُ أَنَّهُ صَلَّى قَبْلَ الْوَقْتِ، أَوْ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ أَوْ سِتَارَةٍ.
وَلَنَا، مَا رَوَى عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ، فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ، فَلَمْ نَدْرِ أَيْنَ الْقِبْلَةُ، فَصَلَّى كُلُّ رَجُلٍ حِيَالَهُ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا ذَكَرْنَا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَزَلَ: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: ١١٥] » . رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ إلَّا أَنَّهُ مِنْ حَدِيثِ أَشْعَثَ السَّمَّانِ، وَفِيهِ ضَعْفٌ.
وَعَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَسِيرٍ، فَأَصَابَنَا غَيْمٌ، فَتَحَيَّرْنَا فَاخْتَلَفْنَا فِي الْقِبْلَةِ، فَصَلَّى كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا عَلَى حِدَةٍ، وَجَعَلَ أَحَدُنَا يَخُطُّ بَيْنَ يَدَيْهِ لِنَعْلَمَ أَمْكِنَتَنَا، فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَأْمُرْنَا بِالْإِعَادَةِ، وَقَالَ: قَدْ أَجْزَأَتْكُمْ صَلَاتُكُمْ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ، وَقَالَ: رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَالِمٍ، عَنْ عَطَاءٍ، وَيُرْوَى أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْد اللَّه الْعُمَرِيِّ، عَنْ عَطَاءٍ. وَكِلَاهُمَا ضَعِيفٌ. وَقَالَ الْعُقَيْلِيُّ: لَا يُرْوَى مَتْنُ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ وَجْهٍ يَثْبُتُ.
وَرَوَى مُسْلِمٌ فِي " صَحِيحِهِ "، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَنَزَلَتْ: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: ١٤٤] . فَمَرَّ رَجُلٌ بِبَنِي سَلَمَةَ وَهُمْ رُكُوعٌ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَقَدْ صَلَّوْا رَكْعَةً، فَنَادَى: أَلَا إنَّ الْقِبْلَةَ قَدْ حُوِّلَتْ. فَمَالُوا كُلُّهُمْ نَحْوَ الْقِبْلَةِ» .
وَمِثْلُ هَذَا لَا يَخْتَفِي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يَتْرُكُ إنْكَارَهُ إلَّا وَهُوَ جَائِزٌ. وَقَدْ كَانَ مَا مَضَى مِنْ صَلَاتِهِمْ بَعْدَ تَحْوِيلِ الْقِبْلَةِ إلَى الْكَعْبَةِ وَهُوَ صَحِيحٌ. وَلِأَنَّهُ أَتَى بِمَا أُمِرَ، فَخَرَجَ عَنْ الْعَهْدِ، كَالْمُصِيبِ، وَلِأَنَّهُ صَلَّى إلَى غَيْرِ الْكَعْبَةِ لِلْعُذْرِ، فَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، كَالْخَائِفِ يُصَلِّي إلَى غَيْرِهَا، وَلِأَنَّهُ