أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُونَ: إذَا أَشْعَرَ الْجَنِينُ، فَذَكَاتُهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ. وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى جَمِيعِهِمْ، فَكَانَ إجْمَاعًا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَحِلُّ إلَّا أَنْ يَخْرُجَ حَيًّا فَيُذَكَّى؛ لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ يَنْفَرِدُ بِحَيَاتِهِ، فَلَا يَتَذَكَّى بِذَكَاةِ غَيْرِهِ، كَمَا بَعْدَ الْوَضْعِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: كَانَ النَّاسُ عَلَى إبَاحَتِهِ، لَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْهُمْ خَالَفَ مَا قَالُوا، إلَى أَنْ جَاءَ النُّعْمَانُ، فَقَالَ: لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّ ذَكَاةَ نَفْسٍ لَا تَكُونُ ذَكَاةَ نَفْسَيْنِ.
وَلَنَا، مَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ، قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ أَحَدَنَا يَنْحَرُ النَّاقَةَ، وَيَذْبَحُ الْبَقَرَةَ وَالشَّاةَ، فَيَجِدُ فِي بَطْنِهَا الْجَنِينَ، أَنَأْكُلُهُ أَمْ نُلْقِيه؟ قَالَ «كُلُوهُ إنْ شِئْتُمْ، فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ» . وَعَنْ جَابِرٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ» . رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد.
وَلِأَنَّ هَذَا إجْمَاعٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، فَلَا يُعَوَّلُ عَلَى مَا خَالَفَهُ، وَلِأَنَّ الْجَنِينَ مُتَّصِلٌ بِهَا اتِّصَالَ خِلْقَةٍ، يَتَغَذَّى بِغِذَائِهَا، فَتَكُونُ ذَكَاتُهُ ذَكَاتَهَا، كَأَعْضَائِهَا، وَلِأَنَّ الذَّكَاةَ فِي الْحَيَوَانِ تَخْتَلِفُ عَلَى حَسَبِ الْإِمْكَانِ فِيهِ وَالْقُدْرَةِ، بِدَلِيلِ الصَّيْدِ الْمُمْتَنِعِ وَالْمَقْدُورِ عَلَيْهِ وَالْمُتَرَدِّيَةِ، وَالْجَنِينُ لَا يُتَوَصَّلُ إلَى ذَبْحِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَبْحِ أُمِّهِ، فَيَكُونُ ذَكَاةً لَهُ.
(٧٧٦٩) فَصْلٌ: وَاسْتَحَبَّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَنْ يَذْبَحَهُ وَإِنْ خَرَجَ مَيِّتًا؛ لِيَخْرُجَ الدَّمُ الَّذِي فِي جَوْفِهِ، وَلِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ يُرِيقُوا مِنْ دَمِهِ وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا.
(٧٧٧٠) فَصْلٌ: فَإِنْ خَرَجَ حَيًّا حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً، يُمْكِنُ أَنْ يُذَكَّى، فَلَمْ يُذَكِّهِ حَتَّى مَاتَ، فَلَيْسَ بِذَكِيٍّ. قَالَ أَحْمَدُ: إنْ خَرَجَ حَيًّا، فَلَا بُدَّ مِنْ ذَكَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ نَفْسٌ أُخْرَى.
[مَسْأَلَةٌ لَا يُقْطَعُ عُضْوٌ مِمَّا ذكي حَتَّى تَزْهَقَ نَفْسُهُ]
(٧٧٧١) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَلَا يُقْطَعُ عُضْوٌ مِمَّا ذُكِّيَ حَتَّى تَزْهَقَ نَفْسُهُ) كَرِهَ ذَلِكَ أَهْلُ الْعِلْمِ؛ مِنْهُمْ عَطَاءٌ، وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَلَا نَعْلَمُ لَهُمْ مُخَالِفًا. وَقَدْ قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: لَا تُعَجِّلُوا الْأَنْفُسَ حَتَّى تُزْهَقَ. فَإِنْ قُطِعَ عُضْوٌ قَبْلَ زُهُوقَ النَّفْسِ وَبَعْدَ الذَّبْحِ، فَالظَّاهِرُ إبَاحَتُهُ؛ فَإِنَّ أَحْمَدَ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ ذَبَحَ دَجَاجَةً، فَأَبَانَ رَأْسَهَا؟ قَالَ: يَأْكُلُهَا. قِيلَ لَهُ: وَاَلَّذِي بَانَ مِنْهَا أَيْضًا؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ: إذَا قَطَعَ الرَّأْسَ. فَلَا بَأْسَ بِهِ. وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ، وَالْحَسَنُ، وَالنَّخَعِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ قَطْعَ ذَلِكَ الْعُضْوِ بَعْدَ حُصُولِ الذَّكَاةِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَطَعَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ.