فِي مُدَّتِهَا، وَهَذِهِ ضُرِبَتْ تَأْخِيرًا لَهُ وَتَأْجِيلًا، وَلَا يَسْتَحِقُّ الْمُطَالَبَةَ إلَّا بَعْدَ مُضِيَّ الْأَجَلِ، كَالدَّيْنِ.
[فَصْل ابْتِدَاءُ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ]
(٦١٣١) فَصْلٌ: وَابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ حِينِ الْيَمِينِ، وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى ضَرْبِ مُدَّةٍ؛ لِأَنَّهَا ثَبَتَتْ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ، فَلَمْ تَفْتَقِرْ إلَى ضَرْبٍ، كَمُدَّةِ الْعُنَّةِ. وَلَا يُطَالَبُ بِالْوَطْءِ فِيهَا؛ لِمَا ذَكَرْنَا، فَإِنْ وَطِئَهَا فِيهَا فَقَدْ عَجَّلَ حَقَّهَا قَبْلَ مَحِلَّهُ، وَخَرَجَ مِنْ الْإِيلَاءِ، كَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ دَفَعَهُ قَبْلَ الْأَجَلِ. وَهَكَذَا إنْ وَطِئَ بَعْدَ الْمُدَّةِ، قَبْلَ الْمُطَالَبَةِ أَوْ بَعْدَهَا، خَرَجَ مِنْ الْإِيلَاءِ. وَسَوَاءٌ وَطِئَهَا وَهِيَ عَاقِلَةٌ أَوْ مَجْنُونَةٌ، أَوْ يَقْظَانَةُ أَوْ نَائِمَةٌ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، فَإِنْ وَطِئَهَا وَهُوَ مَجْنُونٌ، لَمْ يَحْنَثْ. ذَكَرَهُ ابْنُ حَامِدٍ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَحْنَثُ، وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ.
وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ، وَالْقَلَمُ عَنْهُ مَرْفُوعٌ، وَيَخْرُجُ بِوَطْئِهِ عَنْ الْإِيلَاءِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَفَّاهَا حَقَّهَا، وَحَصَلَ مِنْهُ فِي حَقِّهَا مَا يَحْصُلُ مِنْ الْعَاقِلِ، وَإِنَّمَا تَسْقُطُ الْكَفَّارَةُ عَنْهُ لِرَفْعِ الْقَلَمِ عَنْهُ. ذَكَرَ هَذَا ابْنُ حَامِدٍ. وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيَّ. وَذَكَرَ الْقَاضِي مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَبْقَى مُولِيًا؛ فَإِنَّهُ قَالَ: إذَا وَطِئَ بَعْدَ إفَاقَتِهِ، تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّ وَطْأَهُ الْأَوَّلَ مَا حَنِثَ بِهِ، وَإِذَا بَقِيَتْ يَمِينُهُ، بَقِيَ الْإِيلَاءُ، كَمَا لَوْ لَمْ يَطَأْ. وَهَذَا قَوْلُ الْمُزَنِيّ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُسْتَأْنَفَ لَهُ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ مِنْ حِينِ وَطِئَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُطَالَبَ بِالْفَيْئَةِ مَعَ وُجُودِهَا مِنْهُ، وَلَا يُطَلَّقُ عَلَيْهِ؛ لِانْتِفَائِهَا وَهِيَ مَوْجُودَةٌ، وَلَكِنْ تُضْرَبُ لَهُ مُدَّةٌ لِبَقَاءِ حُكْمِ يَمِينِهِ. وَقِيلَ: تُضْرَبُ لَهُ الْمُدَّةُ إذَا عَقَلَ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُمْنَعُ مِنْ الْوَطْءِ بِحُكْمِ يَمِينِهِ.
وَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ قَالَ: قَدْ وَفَّاهَا حَقَّهَا، فَلَمْ يَبْقَ الْإِيلَاءُ، كَمَا لَوْ حَنِثَ، وَلَا يَمْتَنِعُ انْتِفَاءُ الْإِيلَاءِ مَعَ الْيَمِينِ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَطَأُ أَجْنَبِيَّةً، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا.
[فَصْلٌ وَطِئَ الْعَاقِلُ نَاسِيًا لِيَمِينِهِ]
(٦١٣٢) فَصْلٌ: وَإِنْ وَطِئَ الْعَاقِلُ نَاسِيًا لِيَمِينِهِ، فَهَلْ يَحْنَثُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. فَإِنْ قُلْنَا: يَحْنَثُ. انْحَلَّ إيلَاؤُهُ، وَذَهَبَتْ يَمِينُهُ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا يَحْنَثُ. فَهَلْ يَنْحَلُّ إيلَاؤُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، قِيَاسًا عَلَى الْمَجْنُونِ. وَكَذَلِكَ يُخَرَّجُ فِيمَا إذَا آلَى مِنْ إحْدَى زَوْجَتَيْهِ، ثُمَّ وَجَدَهَا عَلَى فِرَاشِهِ، فَظَنَّهَا الْأُخْرَى، فَوَطِئَهَا؛ لِأَنَّهُ جَاهِلٌ بِهَا، وَالْجَاهِلُ كَالنَّاسِي فِي الْحِنْثِ. وَكَذَلِكَ إنْ ظَنَّهَا أَجْنَبِيَّةً فَبَانَتْ زَوْجَتَهُ. وَإِنْ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَهُ وَهُوَ نَائِمٌ، لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ الْقَلَمَ مَرْفُوعٌ عَنْهُ. وَهَلْ يَخْرُجُ مِنْ حُكْمِ الْإِيلَاءِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا، يَخْرُجُ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ وَصَلَتْ إلَى حَقِّهَا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ وَطِئَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute