[فَصْلٌ ثَبَتَ النَّسَبُ بِالْإِقْرَارِ ثُمَّ أَنْكَرَ الْمُقِرُّ]
(٣٨٩١) فَصْلٌ: وَإِذَا ثَبَتَ النَّسَبُ بِالْإِقْرَارِ، ثُمَّ أَنْكَرَ الْمُقِرُّ، لَمْ يُقْبَلْ إنْكَارُهُ؛ لِأَنَّهُ نَسَبٌ ثَبَتَ بِحُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ؛ فَلَمْ يَزُلْ بِإِنْكَارِهِ، كَمَا لَوْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِالْفِرَاشِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُقَرُّ بِهِ غَيْرَ مُكَلَّفٍ، أَوْ مُكَلَّفًا، فَصَدَّقَ الْمُقِرُّ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَسْقُطَ نَسَبُ الْمُكَلَّفِ بِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى الرُّجُوعِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِاتِّفَاقِهِمَا، فَزَالَ بِرُجُوعِهِمَا، كَالْمَالِ.
وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ نَسَبٌ ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ، فَأَشْبَهَ نَسَبَ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ. وَفَارَقَ الْمَالَ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يُحْتَاطُ لِإِثْبَاتِهِ.
[فَصْلٌ أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ بِوَلَدِ وَلَمْ تَكُنْ ذَاتَ زَوْجٍ وَلَا نَسَبٍ]
(٣٨٩٢) فَصْلٌ: وَإِنْ أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ بِوَلَدٍ، وَلَمْ تَكُنْ ذَاتَ زَوْجٍ وَلَا نَسَبٍ، قُبِلَ إقْرَارُهَا. وَإِنْ كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ، فَهَلْ يُقْبَلُ إقْرَارُهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ؛ إحْدَاهُمَا، لَا يُقْبَلُ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَمْلًا لِنَسَبِ الْوَلَدِ عَلَى زَوْجِهَا، وَلَمْ يُقِرَّ بِهِ، أَوْ إلْحَاقًا لِلْعَارِ بِهِ بِوِلَادَةِ امْرَأَتِهِ مِنْ غَيْرِهِ. وَالثَّانِيَةُ: يُقْبَلُ؛ لِأَنَّهَا شَخْصٌ أَقَرَّ بِوَلَدٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ، فَقُبِلَ كَالرَّجُلِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ، فِي رِوَايَةِ ابْنُ مَنْصُورٍ، فِي امْرَأَةٍ ادَّعَتْ وَلَدًا: فَإِنْ كَانَ لَهَا إخْوَةٌ أَوْ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَثْبُتَ أَنَّهُ ابْنُهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا دَافِعٌ فَمَنْ يَحُولُ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ، وَهَذَا لِأَنَّهَا مَتَى كَانَتْ ذَاتَ أَهْلٍ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا تَخْفَى عَلَيْهِمْ وِلَادَتُهَا، فَمَتَى ادَّعَتْ وَلَدًا لَا يَعْرِفُونَهُ، فَالظَّاهِرُ كَذِبُهَا. وَيَحْتَمِلُ أَنْ تُقْبَلَ دَعْوَاهَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ النَّسَبَ يُحْتَاطُ لَهُ، فَأَشْبَهَتْ الرَّجُلَ.
[فَصْلٌ قَدِمَتْ امْرَأَةٌ مِنْ بَلَدِ الرُّومِ وَمَعَهَا طِفْلٌ فَأَقَرَّ بِهِ رَجُلٌ]
(٣٨٩٣) فَصْلٌ: وَلَوْ قَدِمَتْ امْرَأَةٌ مِنْ بَلَدِ الرُّومِ، وَمَعَهَا طِفْلٌ، فَأَقَرَّ بِهِ رَجُلٌ، لَحِقَهُ؛ لِوُجُودِ الْإِمْكَانِ، وَعَدَمِ الْمُنَازِعِ، لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ دَخَلَ أَرْضَهُمْ، أَوْ دَخَلَتْ هِيَ دَارَ الْإِسْلَامِ وَوَطِئَهَا، وَالنَّسَبُ يُحْتَاطُ لِإِثْبَاتِهِ، وَلِهَذَا لَوْ وَلَدَتْ امْرَأَةُ رَجُلٍ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهَا، بَعْدَ عِشْرِينَ سَنَةً مِنْ غَيْبَتِهِ، لَحِقَهُ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ قُدُومٌ إلَيْهَا، وَلَا عُرِفَ لَهَا خُرُوجٌ مِنْ بَلَدِهَا.
[فَصْلٌ أَقَرَّ بِنَسَبِ صَغِيرٍ]
(٣٨٩٤) فَصْلٌ: وَإِنْ أَقَرَّ بِنَسَبِ صَغِيرٍ، لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا بِزَوْجِيَّةِ أُمِّهِ. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا كَانَتْ مَشْهُورَةً بِالْحُرِّيَّةِ، كَانَ مُقِرًّا بِزَوْجِيَّتِهَا؛ لِأَنَّ أَنْسَابَ الْمُسْلِمِينَ وَأَحْوَالَهُمْ يَجِبُ حَمْلُهَا عَلَى الصِّحَّةِ، وَذَلِكَ أَنْ تَكُونَ وَلَدَتْهُ مِنْهُ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ. وَلَنَا، أَنَّ الزَّوْجِيَّةَ لَيْسَتْ مُقْتَضَى لَفْظِهِ وَلَا مَضْمُونِهِ، فَلَمْ يَكُنْ مُقِرًّا بِهَا، كَمَا لَوْ لَمْ تَكُنْ مَعْرُوفَةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute