لَهُ النَّقِيعُ لِخَيْلِ الْمُجَاهِدِينَ وَالضَّوَالِّ، وَلِأَنَّ لِلْإِمَامِ نَظَرًا فِي حِفْظِ مَالِ الْغَائِبِ، وَفِي أَخْذِ هَذِهِ حِفْظٌ لَهَا عَنْ الْهَلَاكِ. وَلَا يَلْزَمُهُ تَعْرِيفُهَا؛ لِأَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَكُنْ يُعَرِّفُ الضَّوَالَّ. وَلِأَنَّهُ إذَا عُرِفَ ذَلِكَ، فَمَنْ كَانَتْ لَهُ ضَالَّةٌ فَإِنَّهُ يَجِيءُ إلَى مَوْضِعِ الضَّوَالِّ، فَإِذَا عَرَفَ ضَالَّتَهُ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهَا وَأَخَذَهَا، وَلَا يَكْتَفِي فِيهَا بِالصِّفَةِ؛ لِأَنَّهَا ظَاهِرَةٌ بَيْنَ النَّاسِ، فَيَعْرِفُ صِفَاتِهَا مَنْ رَآهَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا، فَلَا تَكُونُ الصِّفَةُ لَهَا دَلِيلًا عَلَى مِلْكِهِ لَهَا
وَلِأَنَّ الضَّالَّةَ قَدْ كَانَتْ ظَاهِرَةً بَيْن النَّاسِ حِينَ كَانَتْ فِي يَدِ مَالِكِهَا، فَلَا يَخْتَصُّ هُوَ بِمَعْرِفَةِ صِفَاتهَا دُونَ غَيْرِهِ، فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ دَلِيلًا، وَيُمْكِنُهُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهَا لِظُهُورِهَا لِلنَّاسِ، وَمَعْرِفَةِ خُلَطَائِهِ وَجِيرَانِهِ بِمِلْكِهِ إيَّاهَا.
[فَصْلٌ أَخَذَ اللُّقَطَة غَيْرُ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ لِيَحْفَظهَا لِصَاحِبِهَا]
(٤٥٥١) فَصْلٌ: وَإِنْ أَخَذَهَا غَيْرُ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ لِيَحْفَظهَا لِصَاحِبِهَا، لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ، وَلَزِمَهُ ضَمَانُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى صَاحِبِهَا. وَهَذَا ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ
وَلِأَصْحَابِهِ وَجْهٌ، أَنَّ لَهُ أَخْذَهَا لِحِفْظِهَا، قِيَاسًا عَلَى الْإِمَامِ. وَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنَعَ أَخْذَهَا مِنْ غَيْرِ تَفْرِيقٍ بَيْنَ قَاصِدِ الْحِفْظِ وَقَاصِدِ الِالْتِقَاطِ، وَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَى الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً، وَهَذَا لَا وِلَايَةَ لَهُ. وَإِنْ وَجَدَهَا فِي مَوْضِعٍ يَخَافُ عَلَيْهَا بِهِ، مِثْلُ أَنْ يَجِدَهَا بِأَرْضِ مَسْبَعَةٍ، يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الْأَسَدَ يَفْتَرِسُهَا إنْ تُرِكَتْ بِهِ، أَوْ فَرَسًا مِنْ دَارِ الْحَرْبِ، يَخَافُ عَلَيْهَا مِنْ أَهْلِهَا، أَوْ بِمَوْضِعٍ يَسْتَحِلُّ أَهْلُهُ أَمْوَالَ الْمُسْلِمِينَ، كَوَادِي التَّيْمِ، أَوْ فِي بَرِّيَّةٍ لَا مَاءَ بِهَا وَلَا مَرْعًى، فَالْأَوْلَى جَوَازُ أَخْذِهَا لِلْحِفْظِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَى آخِذِهَا؛ لِأَنَّ فِيهِ إنْقَاذَهَا مِنْ الْهَلَاكِ، فَأَشْبَهَ تَخْلِيصَهَا مِنْ غَرَقٍ أَوْ حَرِيقٍ
فَإِذَا حَصَلَتْ فِي يَدِهِ، سَلَّمَهَا إلَى نَائِبِ الْإِمَامِ، وَبَرِئَ مِنْ ضَمَانِهَا، وَلَا يَمْلِكُهَا بِالتَّعْرِيفِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ بِذَلِكَ فِيهَا.
[فَصْلٌ مَا يَحْصُلُ عِنْدَ الْإِمَامِ مِنْ الضَّوَالِّ فَإِنَّهُ يُشْهِدُ عَلَيْهَا وَيَسِمُهَا بِأَنَّهَا ضَالَّةٌ]
(٤٥٥٢) فَصْلٌ: وَمَا يَحْصُلُ عِنْدَ الْإِمَامِ مِنْ الضَّوَالِّ، فَإِنَّهُ يُشْهِدُ عَلَيْهَا، وَيَسِمُهَا بِأَنَّهَا ضَالَّةٌ، ثُمَّ إنْ كَانَ لَهُ حِمًى تَرْعَى فِيهِ، تَرَكَهَا فِيهِ، إنْ رَأَى ذَلِكَ، وَإِنْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي بَيْعِهَا وَحِفْظِ ثَمَنِهَا، أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حِمًى، بَاعَهَا بَعْدَ أَنْ يُحَلِّيَهَا، وَيَحْفَظَ صِفَاتِهَا، وَيَحْفَظَ ثَمَنَهَا لِصَاحِبِهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ أَحْفَظُ لَهَا؛ لِأَنَّ تَرْكَهَا يُفْضِي إلَى أَنْ تَأْكُلَ جَمِيعَ ثَمَنِهَا.
[فَصْلٌ تَرَكَ دَابَّةً بِمُهْلِكَةِ فَأَخَذَهَا إنْسَانٌ فَأَطْعَمَهَا وَسَقَاهَا وَخَلَّصَهَا]
(٤٥٥٣) فَصْلٌ: وَمَنْ تَرَكَ دَابَّةً بِمَهْلَكَةٍ، فَأَخَذَهَا إنْسَانٌ، فَأَطْعَمَهَا وَسَقَاهَا وَخَلَّصَهَا، مَلَكَهَا. وَبِهِ قَالَ اللَّيْثُ، وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، وَإِسْحَاقُ. إلَّا أَنْ يَكُونَ تَرَكَهَا لِيَرْجِعَ إلَيْهَا، أَوْ ضَلَّتْ مِنْهُ. وَقَالَ مَالِكٌ: هِيَ لِمَالِكِهَا