{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: ٢٩] . وَالْعَبْدُ دَاخِلٌ فِي الْعُمُومِ، وَمِنْ أَهْلِ التَّكْلِيفِ وَالْعِبَادَاتِ، فَيَكُونُ أَهْلًا لِلْمِلْكِ، وَلِذَلِكَ مَلَكَ فِي النِّكَاحِ، وَإِذَا ثَبَتَ الْمِلْكُ لِلْجَنِينِ، مَعَ كَوْنِهِ نُطْفَةً لَا حَيَاةَ فِيهَا، بِاعْتِبَارِ مَآلِهِ إلَى الْآدَمِيَّةِ، فَالْعَبْدُ الَّذِي هُوَ آدَمِيٌّ مُكَلَّفٌ أَوْلَى. إذَا ثَبَتَ هَذَا، فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّسَرِّي إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، وَلَوْ مَلَّكَهُ سَيِّدُهُ جَارِيَةً، لَمْ يُبَحْ لَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى يَأْذَنَ لَهُ فِيهِ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ نَاقِصٌ، وَلِسَيِّدِهِ نَزْعُهُ مِنْهُ مَتَى شَاءَ مِنْ غَيْرِ فَسْخِ عَقْدٍ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ
فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فَقَالَ: تَسَرَّاهَا. أَوْ: أَذِنْت لَك فِي وَطْئِهَا. أَوْ مَا دَلَّ عَلَيْهِ، أُبِيحَ لَهُ، وَمَا وُلِدَ لَهُ مِنْ التَّسَرِّي فَحُكْمُهُ حُكْمُ مِلْكِهِ؛ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ مَمْلُوكَةٌ لَهُ، فَكَذَلِكَ وَلَدُهَا. وَإِنْ تَسَرَّى بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، فَالْوَلَدُ مِلْكٌ لِسَيِّدِهِ. (٥٣٠٩) فَصْلٌ: وَلَهُ التَّسَرِّي بِمَا شَاءَ، إذَا أَذِنَ لَهُ السَّيِّدُ فِي ذَلِكَ. نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ؛ لِأَنَّ مَنْ جَازَ لَهُ التَّسَرِّي، جَازَ مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ كَالْحُرِّ.
فَإِنْ أَذِنَ لَهُ وَأَطْلَقَ التَّسَرِّيَ تَسَرَّى بِوَاحِدَةٍ. وَكَذَلِكَ إذَا أَذِنَ لَهُ فِي التَّزْوِيجِ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ
وَبِهَذَا قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَأَبُو ثَوْرٍ: إذَا أَذِنَ لَهُ فِي التَّزْوِيجِ، فَعَقَدَ عَلَى اثْنَتَيْنِ فِي عَقْدٍ، جَازَ. وَلَنَا أَنَّ الْإِذْنَ الْمُطْلَقَ يَتَنَاوَلُ أَقَلَّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ يَقِينًا، وَمَا زَادَ مَشْكُوكٌ فِيهِ، فَيَبْقَى عَلَى الْأَصْلِ، كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي طَلَاقِ امْرَأَتِهِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ. وَلِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَى الْوَاحِدَةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُرَادٍ، فَيَبْقَى عَلَى أَصْلِ التَّحْرِيمِ، كَمَا لَوْ شَكَّ هَلْ أَذِنَ لَهُ أَوْ لَا؟ .
[فَصْلٌ الْمُكَاتَبُ كَالْعَبْدِ الْقِنِّ لَا يَتَزَوَّجُ وَلَا يَتَسَرَّى إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ]
(٥٣١٠) فَصْلٌ: وَالْمُكَاتَبُ كَالْعَبْدِ الْقِنِّ، لَا يَتَزَوَّجُ وَلَا يَتَسَرَّى إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إتْلَافًا لِلْمَالِ الَّذِي فِي يَدَيْهِ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ.» وَأَمَّا الْمُعْتَقُ بَعْضُهُ، فَإِذَا مَلَكَ بِجُزْئِهِ الْحُرِّ جَارِيَةً، فَمِلْكُهُ تَامٌّ، وَلَهُ الْوَطْءُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ؛ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: ٣] وَلِأَنَّ مِلْكَهُ عَلَيْهَا تَامٌّ، لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهَا بِمَا شَاءَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ، فَكَذَلِكَ الْوَطْءُ، وَمَا فِيهِ مِنْ الرِّقِّ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ اسْتِيفَاءِ مَا يَمْلِكُهُ، كَمَا لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ وَيَأْكُلَ مَا مَلَكَهُ بِنِصْفِهِ الْحُرِّ. وَقَالَ الْقَاضِي: حُكْمُهُ حُكْمُ الْقِنِّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute