للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ قُلْتُمْ: إنَّهُ إذَا شَهِدَ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْقِيمَتَيْنِ شَاهِدَانِ تَعَارَضَتَا، وَإِنْ شَهِدَ وَاحِدٌ، لَمْ تَتَعَارَضَا، وَكَانَ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ الشَّاهِدِ بِالزِّيَادَةِ عَلَيْهَا.

قُلْنَا: لِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ حُجَّةٌ وَبَيِّنَةٌ، فَإِذَا كَمَلَتْ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، تَعَارَضَتْ الْحُجَّتَانِ؛ لِتَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، وَأَمَّا الشَّاهِدُ الْوَاحِدُ، فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ وَحْدَهُ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ حُجَّةً مَعَ الْيَمِينِ، فَإِذَا حَلَفَ مَعَ أَحَدِهِمَا كَمَلَتْ الْحُجَّةُ بِيَمِينِهِ، وَلَمْ يُعَارِضْهُمَا مَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ، كَمَا لَوْ شَهِدَ بِأَحَدِهِمَا شَاهِدَانِ، وَبِالْآخَرِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ.

[مَسْأَلَة الْعَدْلَ إذَا أَنْكَرَ أَنْ تَكُونَ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ ثُمَّ شَهِدَ بِهَا]

(٨٤٨٤) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَمَنْ ادَّعَى شَهَادَةَ عَدْلٍ، فَأَنْكَرَ أَنْ تَكُونَ عِنْدَهُ، ثُمَّ شَهِدَ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَقَالَ: كُنْت أُنْسِيتهَا. قُبِلَتْ مِنْهُ) . وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْعَدْلَ إذَا أَنْكَرَ أَنْ تَكُونَ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ، ثُمَّ شَهِدَ بِهَا، وَقَالَ: كُنْت أُنْسِيتهَا. قُبِلَتْ، وَلَمْ تُرَدَّ شَهَادَتُهُ. وَبِهَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ مُخَالِفًا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَسِيَهَا، وَإِذَا كَانَ نَاسِيًا لَهَا، فَلَا شَهَادَةَ عِنْدَهُ، فَلَا نُكَذِّبُهُ مَعَ إمْكَانِ صِدْقِهِ. وَلَا يُشْبِهُ هَذَا إذَا مَا قَالَ: لَا بَيِّنَةَ لِي. ثُمَّ أَتَى بِبَيِّنَةٍ، حَيْثُ لَا تُسْمَعُ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ إقْرَارٌ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ بِعَدَمِ الْبَيِّنَةِ، وَالْإِنْسَانُ يُؤَاخَذُ بِإِقْرَارِهِ، وَقَوْلُ الشَّاهِدِ: لَا شَهَادَةَ عِنْدِي. لَيْسَ بِإِقْرَارٍ؛ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ لَيْسَتْ لَهُ؛ إنَّمَا هِيَ حَقٌّ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ مُنْكِرًا لَهَا، فَإِذَا اعْتَرَفَ بِهَا، كَانَ إقْرَارًا بَعْدَ الْإِنْكَارِ، وَهُوَ مَسْمُوعٌ، بِخِلَافِ الْإِنْكَارِ بَعْدَ الْإِنْكَارِ، وَلِأَنَّ النَّاسِيَ لِلشَّهَادَةِ لَا شَهَادَةَ لَهُ عِنْدَهُ، فَهُوَ صَادِقٌ فِي إنْكَارِهِ، فَإِذَا ذَكَرَهَا، صَارَتْ عِنْدَهُ، فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ، وَصَارَ هَذَا كَمَنْ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدَ، ثُمَّ اُسْتُشْهِدَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَصَارَتْ عِنْدَهُ، بِخِلَافِ مَنْ أَنْكَرَ أَنَّ لَهُ بَيِّنَةً، فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ بَيِّنَةٌ بِنِسْيَانِهَا.

[مَسْأَلَة شَهِدَ بِشَهَادَةِ يَجُرُّ إلَى نَفْسِهِ بَعْضَهَا]

(٨٤٨٥) مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَمَنْ شَهِدَ بِشَهَادَةٍ، يَجُرُّ إلَى نَفْسِهِ بَعْضَهَا، بَطَلَتْ شَهَادَتُهُ فِي الْكُلِّ) وَجُمْلَتُهُ أَنَّ مَنْ شَهِدَ بِشَهَادَةٍ لَهُ بَعْضُهَا؛ مِثْلُ أَنْ يَشْهَدَ الشَّرِيكُ لِشَرِيكِهِ بِمَالٍ مِنْ الشَّرِكَةِ، أَوْ يَشْهَدَ عَلَى زَيْدٍ بِدَارٍ لَهُ وَلَعَمْرَو، فَإِنَّ شَهَادَتَهُ تَبْطُلُ فِي الْكُلِّ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِيهَا قَوْلَانِ؛ أَحَدُهُمَا، كَقَوْلِنَا. وَالثَّانِي، تَصِحُّ شَهَادَتُهُ لِغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ، فَتَصِحُّ شَهَادَتُهُ لَهُ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهَا شِرْكٌ. وَيَتَخَرَّجُ لَنَا مِثْلُ هَذَا؛ بِنَاءً عَلَى قَوْلِنَا فِي عَبْدٍ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ، اشْتَرَى نَفْسَهُ مِنْهُمْ بِثَلَاثِمِائَةٍ دِرْهَمٍ، فَادَّعَى أَنَّهُمْ قَبَضُوهَا مِنْهُ، فَأَنْكَرَ أَحَدُهُمْ أَنْ يَكُونَ أَخَذَ شَيْئًا، فَأَقَرَّ لَهُ اثْنَانِ، وَشَهِدَا عَلَى الْمُنْكِرِ بِالْقَبْضِ، فَإِنَّ شَهَادَتَهُمَا تُقْبَلُ عَلَيْهِ وَيُشَارِكُهُمَا فِيمَا أَخْذًا مِنْ الْمَالِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>