وَجُمْلَةُ ذَلِكَ، أَنَّ السَّيِّدَ إذَا بَاعَ عَبْدَهُ، أَوْ جَارِيَتَهُ، وَلَهُ مَالٌ مَلَّكَهُ إيَّاهُ مَوْلَاهُ، أَوْ خَصَّهُ بِهِ، فَهُوَ لِلْبَائِعِ؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ بَاعَ عَبْدًا، وَلَهُ مَالٌ، فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ، إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ.» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَأَبُو دَاوُد، وَابْنُ مَاجَهْ. وَلِأَنَّ الْعَبْدَ وَمَالَهُ لِلْبَائِعِ، فَإِذَا بَاعَ الْعَبْدَ اخْتَصَّ الْبَيْعُ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ عَبْدَانِ فَبَاعَ أَحَدَهُمَا.
وَإِنْ اشْتَرَطَهُ الْمُبْتَاعُ كَانَ لَهُ؛ لِلْخَبَرِ، وَرَوَى ذَلِكَ نَافِعٌ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَضَى بِهِ شُرَيْحٌ، وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ. قَالَ الْخِرَقِيِّ: إذَا كَانَ قَصْدُهُ لِلْعَبْدِ لَا لِلْمَالِ. هَذَا مَنْصُوصُ أَحْمَدَ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ. وَمَعْنَاهُ، أَنَّهُ لَا يَقْصِدُ بِالْبَيْعِ شِرَاءَ مَالِ الْعَبْدِ، إنَّمَا يَقْصِدُ بَقَاءَ الْمَالِ لِعَبْدِهِ، وَإِقْرَارَهُ فِي يَدِهِ، فَمَتَى كَانَ كَذَلِكَ، صَحَّ اشْتِرَاطُهُ، وَدَخَلَ فِي الْبَيْعِ بِهِ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَالُ مَعْلُومًا أَوْ مَجْهُولًا، مِنْ جِنْسِ الثَّمَنِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا، وَسَوَاءٌ كَانَ مِثْلَ الثَّمَنِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ.
قَالَ الْبَتِّيُّ: إذَا بَاعَ عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَمَعَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ، فَالْبَيْعُ جَائِزٌ إذَا كَانَتْ رَغْبَةُ الْمُبْتَاعِ فِي الْعَبْدِ لَا فِي الدَّرَاهِمِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا غَيْرَ مَقْصُودٍ، فَأَشْبَهَ أَسَاسَاتِ الْحِيطَانِ، وَالتَّمْوِيهَ بِالذَّهَبِ فِي السُّقُوفِ، فَأَمَّا إنْ كَانَ الْمَالُ مَقْصُودًا بِالشِّرَاءِ، جَازَ اشْتِرَاطُهُ إذَا وُجِدَتْ فِيهِ شَرَائِطُ الْبَيْعِ، مِنْ الْعِلْمِ بِهِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّمَنِ رَبًّا، كَمَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ فِي الْعَيْنَيْنِ الْمَبِيعَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مَبِيعٌ مَقْصُودٌ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ ضَمَّ إلَى الْعَبْدِ عَيْنًا أُخْرَى وَبَاعَهُمَا.
وَقَالَ الْقَاضِي: هَذَا يَنْبَنِي عَلَى كَوْنِ الْعَبْدِ يَمْلِكُ أَوْ لَا يَمْلِكُ، فَإِنْ قُلْنَا: لَا يَمْلِكُ. فَاشْتَرَطَ الْمُشْتَرِي مَالَهُ صَارَ مَبِيعًا مَعَهُ، فَاشْتُرِطَ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي سَائِرِ الْمَبِيعَاتِ. وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُ. اُحْتُمِلَتْ فِيهِ الْجَهَالَةُ وَغَيْرُهَا مِمَّا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ فِي الْبَيْعِ لَا أَصْلٌ، فَأَشْبَهَ طَيَّ الْآبَارِ. وَهَذَا خِلَافُ نَصِّ أَحْمَدَ وَقَوْلِ الْخِرَقِيِّ؛ لِأَنَّهُمَا جَعَلَا الشَّرْطَ الَّذِي يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ بِهِ قَصْدَ الْمُشْتَرِي دُونَ غَيْرِهِ، وَهُوَ أَصَحُّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَاحْتِمَالُ الْجَهَالَةِ فِيهِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَقْصُودٍ، كَمَا ذَكَرْنَا، كَاللَّبَنِ فِي ضَرْعِ الشَّاةِ الْمَبِيعَةِ، وَالْحَمْلِ فِي بَطْنِهَا، وَالصُّوفِ عَلَى ظَهْرِهَا، وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ مَبِيعٌ، وَيَحْتَمِلُ فِيهِ الْجَهَالَةَ وَغَيْرَهَا، لِمَا ذَكَرْنَا.
وَقَدْ قِيلَ: إنَّ الْمَالَ لَيْسَ بِمَبِيعٍ هَاهُنَا، وَإِنَّمَا اسْتِبْقَاءُ الْمُشْتَرِي عَلَى مِلْكِ الْعَبْدِ لَا يَزُولُ عَنْهُ إلَى الْبَائِعِ. وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْأَوَّلِ.
[فَصْلٌ اشْتَرَى عَبْدًا وَاشْتَرَطَ مَاله ثُمَّ رَدَّ الْعَبْد بِعَيْبِ أَوْ خِيَار أَوْ إقَالَة]
(٣٠٣٨) فَصْلٌ: وَإِذَا اشْتَرَى عَبْدًا، وَاشْتَرَطَ مَالُهُ، ثُمَّ رَدَّ الْعَبْدَ بِعَيْبٍ أَوْ خِيَارٍ أَوْ إقَالَةٍ، رَدَّ مَالَهُ مَعَهُ. وَقَالَ دَاوُد: يَرُدُّ الْعَبْدَ دُونَ مَالِهِ؛ لِأَنَّ مَالَهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْبَيْعِ، فَأَشْبَهَ النَّمَاءَ الْحَادِثَ عِنْدَهُ. وَلَنَا أَنَّهُ عَيْنُ مَالٍ أَخَذَهَا الْمُشْتَرِي، لَا تَحْصُلُ بِدُونِ الْبَيْعِ، فَيَرُدُّهَا بِالْفَسْخِ، كَالْعَبْدِ، وَلِأَنَّ الْعَبْدَ إذَا كَانَ ذَا مَالٍ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ، فَأَخْذُ مَالِهِ يَنْقُصُ قِيمَتَهُ، فَلَمْ يَمْلِكْ رَدَّهُ حَتَّى يَدْفَعَ مَا يُزِيلُ نَقْصَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute