للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.

وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ لَا يَرَى التَّيَمُّمَ لِلْجُنُبِ، وَنَحْوُهُ عَنْ عُمَرَ، - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ، أَنَّ أَبَا مُوسَى نَاظَرَ ابْنَ مَسْعُودٍ فِي ذَلِكَ، وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ بِحَدِيثِ عَمَّارٍ، وَبِالْآيَةِ الَّتِي فِي الْمَائِدَةِ، قَالَ: فَمَا دَرَى عَبْدُ اللَّهِ مَا يَقُولُ، فَقَالَ: إنَّا لَوْ رَخَّصْنَا لَهُمْ فِي هَذَا لَأَوْشَكَ إذَا بَرَدَ عَلَى أَحَدِهِمْ الْمَاءُ أَنْ يَدَعَهُ وَيَتَيَمَّمَ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَيُرْوَى عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ.

وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى إبَاحَةِ التَّيَمُّمِ لِلْجُنُبِ: مَا رَوَى عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ «، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى رَجُلًا مُعْتَزِلًا لَمْ يُصَلِّ مَعَ الْقَوْمِ، فَقَالَ: يَا فُلَانُ، مَا مَنَعَك أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ الْقَوْمِ؟ . فَقَالَ: أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ، وَلَا مَاءَ. قَالَ: عَلَيْك بِالصَّعِيدِ، فَإِنَّهُ يَكْفِيك» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَحَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ، وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَحَدِيثُ جَابِرٍ فِي الَّذِي أَصَابَتْهُ الشَّجَّةُ؛ لِأَنَّهُ حَدَثٌ فَيَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ، كَالْحَدَثِ الْأَصْغَرِ،

وَمِنْهَا أَنَّ الْجَرِيحَ وَالْمَرِيضَ إذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ، جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ، هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ مِنْهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَطَاوُسٌ، وَالنَّخَعِيُّ، وَقَتَادَةُ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ. وَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُ عَطَاءٌ فِي التَّيَمُّمِ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ؛ لِظَاهِرِ الْآيَةِ، وَنَحْوُهُ عَنْ الْحَسَنِ فِي الْمَجْدُورِ الْجُنُبِ، قَالَ: لَا بُدَّ مِنْ الْغُسْلِ وَلَنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: ٢٩] . وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ حِينَ تَيَمَّمَ مِنْ خَوْفِ الْبَرْدِ، وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَابِرٍ فِي الَّذِي أَصَابَتْهُ الشَّجَّةُ؛ وَلِأَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ التَّيَمُّمُ إذَا خَافَ الْعَطَشَ، أَوْ خَافَ مِنْ سَبُعٍ، فَكَذَلِكَ هَاهُنَا، فَإِنَّ الْخَوْفَ لَا يَخْتَلِفُ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتْ جِهَاتُهُ.

[فَصْل الْخَوْفِ الْمُبِيحِ لِلتَّيَمُّمِ]

(٣٧٠) فَصْلٌ: وَاخْتُلِفَ فِي الْخَوْفِ الْمُبِيحِ لِلتَّيَمُّمِ، فَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ: لَا يُبِيحُهُ إلَّا خَوْفُ التَّلَفِ. وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ: أَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ التَّيَمُّمُ إذَا خَافَ زِيَادَةَ الْمَرَضِ، أَوْ تَبَاطُؤَ الْبُرْءِ، أَوْ خَافَ شَيْئًا

<<  <  ج: ص:  >  >>